من هذه الشواهد يتبين لنا مدى تأثر الشيخ عبد الجليل عيسى بمدرسة الأستاذ الإمام، سواء أكان ذلك في تحكيم العقل في النص، أم في الرغبة في تضييق نطاق الخوارق، ولئن أغرب الشيخ في تفسير آية الأعراف، فإنه كان أكثر إغرابًا في آية الإسراء، وكان أكثر شططًا وبعدًا عن السياق والمأثور في تفسيره آية النمل، ولقد قال إنه أطال في تفسيرها لينبه القارئ على خطر الإسرائيليات، وكان بإمكان الشيخ أن يكتفي بما جاء في الأخبار الصحيحة، كما فعل كثير من المفسرين، مع أن عبارته توهم أن كل ما ورد عن الدابة إنما هو من الإسرائيليات، وليس الأمر كذلك، سامح الله الشيخ وجزاه عن حسن نيته خيرًا.
وأكتفي بما ذكرت عن أعلام مدرسة الشيخ محمد عبده في التفسير، تلك المدرسة التي أرادت أن تجلي معنى القرآن للمسلمين، بما يتفق مع روح العصر الذي يعيشون فيه، وأن ترد عنه شبه الأعداء وكيد الخصوم، وأن تُنبّه على سنن الله التي لا تتخلف في شؤون الحياة، ولكنها أرخت العنان للعقل، فتعدى حدوده، ووقفت مع كل قديم موقف الناقد الممحص، فأصابت حينًا، وتجنّت وأخطأت حينًا آخر، ومع كثرة ما لها من هفوات، إلا أن لها، والحق يقال، دورًا فعالًا في محاربة البدع والخرافات، ومحاولة إيقاظ المسلمين والدفاع عن الإسلام ورد شبهات المستشرقين والمستغربين وللمجتهد إن أخطأ أجر.