للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأما قصّة سُليك، فقد ذكر الترمذيّ أنها أصحّ شيء رُوي في هذا الباب، وأقوى.

وأجاب المانعون أيضًا بأجوبة غير ما تقدّم، اجتمع لنا منها زيادة على عشرة، أوردتها مُلخّصة مع الجواب عنها، لتُستَفاد:

الأول: قالوا: إنه -صلى الله عليه وسلم- لما خاطب سُليكًا سكت عن خطبته حتى فرغ سُليك من صلاته، فعلى هذا فقد جمع لسُليك بين سماع الخطبة، وصلاة التحيّة، فليس فيه حجة لمن أجاز التحية، والخطيب يخطب.

والجواب أن الدارقطنيّ الذي أخرجه من حديث أنس قد ضعفه، وقال: إن الصواب أنه من رواية سليمان التيميّ مرسلًا، أو معضَلًا.

وقد تعقبه ابن المنيّر في "الحاشية" بأنه لو ثبت لم يَسُغ على قاعدتهم؛ لأنه يستلزم جواز قطع الخطبة لأجل الداخل، والعمل عندهم لا يجوز قطعه بعد الشروع فيه، لا سيما إذا كان واجبًا.

الثاني: لما تشاغل النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بمخاطبة سُليك سقط فرض الاستماع عنه؛ إذ لم يكن منه حينئذ خطبة لأجل تلك المخاطبة. قاله ابن العربى، وادعى أنه أقوى الأجوبة.

وتُعُقّب بأنه من أضعفها؛ لأن المخاطبة لما انقضت رجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى خطبته، وتشاغل سليك بامتثال ما أَمَره به من الصلاة، فصحّ أنه صلى في حال الخطبة.

الثالث: قيل: كانت هذه القصة قبل شروعه -صلى الله عليه وسلم- في الخطبة، ويدلّ عليه قوله في رواية الليث عند مسلم: "والنبيّ -صلى الله عليه وسلم- قاعد على المنبر".

وأجيب بأن القعود على المنبر لا يختصّ بالابتداء، بل يَحْتَمِل أن يكون بين الخطبتين أيضًا، فيكون كلمه بذلك، وهو قاعد، فلما قام ليصلي قام النبيّ -صلى الله عليه وسلم- للخطبة؛ لأن زمن القعود بين الخطبتين لا يطول.

ويَحْتَمِل أيضًا أن يكون الراوي تجوّز في قوله: "قاعد"؛ لأن الروايات الصحيحة كلها مُطْبِقة على أنه دخل، والنبيّ -صلى الله عليه وسلم- يخطب.

الرابع: قيل: كانت هذه القصّة قبل تحريم الكلام في الصلاة.

وتُعقّب بأن سُليكًا متأخر الإسلام جدًّا، وتحريم الكلام متقدِّم، كما مرّ