وتُعُقّب بأنه أيضًا قياس في مقابلة النصّ، فهو فاسد، ولأن الأمر وقع مقيّدًا بحال الخطبة، فلم يتناول الخطيب.
وقال الزين ابن المنير: منع الكلام إنما هو لمن شهد الخطبة، لا لمن خطب، فكذلك الأمر بالإنصات، واستماع الخطبة.
الثامن: قيل: لا نُسلّم أن المراد بالركعتين المأمور بهما تحيّة المسجد، بل يَحْتَمِل أن تكون صلاة فائتة، كالصبح مثلًا، قاله بعض الحنفيّة، وقوّاه ابن المنيّر في "الحاشية"، وقال: لعله -صلى الله عليه وسلم- كان كُشف له عن ذلك، وإنما استفهمه مُلاطفةً له في الخطاب، قال: ولو كان المراد بالصلاة التحيّةَ لم يحتج إلى استفهامه؛ لأنه قد رآه لَمّا دخل.
وقد تولّى ردّه ابن حبان في "صحيحه"، فقال: لو كان كذلك لم يتكرر أمره له بذلك مرّةً أخرى، ومن هذه المادّة قولهم: إنما أمره بسنة الجمعة التي قبلها، ومستندهم قوله في قصّة سُليك عند ابن ماجه:"أصليت قبل أن تجيء"؛ لأن ظاهره قبل أن تجيء من البيت، ولهذا قال الأوزاعيّ: إن كان صلى في البيت قبل أن يجيء، فلا يصلي إذا دخل المسجد.
وتعقّب بأن المانع من صلاة التحيّة لا يُجيز التنفل حال الخطبة مطلقًا.
ويَحْتَمِل أن يكون معنى:"قبل أن تجيء" أي: إلى الموضع الذي أنت به الآن، وفائدة الاستفهام احتمال أن يكون صلاها في مؤخر المسجد، ثم تقدّم ليقرب من سماع الخطبة، كما تقدم في قصة الذي تخطى، ويؤكده أن في رواية لمسلم:"أصليت الركعتين" بالألف واللام، وهو للعهد، ولا عهدَ هناك أقرب من تحيّة المسجد، وأما سنة الجمعة التي قبلها، فلم يثبت فيها شيء، كما سيأتي في بابه.
التاسع: قيل: لا نسلم أن الخطبة المذكورة كانت للجمعة، ويدلّ على أنها كانت لغيرها قوله للداخل:"أصليت"؛ لأن وقت الصلاة لم يكن دخل.
وهذا ينبني على أن الاستفهام وقع عن صلاة الفرض، فيحتاج إلى ثبوت ذلك، وقد وقع في حديث الباب، وفي الذي بعده أن ذلك كان يوم الجمعة، فهو ظاهر في أن الخطبة كانت لصلاة الجمعة.
قال جماعة، منهم القرطبيّ: أقوى ما اعتمده المالكية في هذه المسألة