عمل أهل المدينة خلفًا عن سلف من لدن الصحابة إلى عهد مالك أن التنفل في حال الخطبة ممنوع مطلقًا.
وتُعُقّب بمنع اتفاق أهل المدينة على ذلك، فقد ثبت فعل التحيّة عن أبي سعيد الخدريّ، وهو من فقهاء الصحابة، من أهل المدينة، وحمله عنه أصحابه من أهل المدينة أيضًا.
فرَوَى الترمذيّ، وابن خُزيمة، وصححاه عن عياض بن أبي سرح:"أن أبا سعيد الخدريّ دخل، ومروان يخطب، فصلى الركعتين، فأراد حَرَس مروان أن يمنعوه، فابى حتى صلاهما، ثم قال: ما كنت لأدعهما بعد أن سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمر بهما". انتهى.
ولم يثبت عن أحد من الصحابة صريحًا ما يخالف ذلك.
وأما ما نقله ابن بطال عن عمر، وعثمان، وغير واحد من الصحابة من المنع مطلقًا، فاعتماده على روايات عنهم، فيها احتمالات، كقول ثعلبة بن أبي مالك:"أدركت عمر، وعثمان -وكان الإمام- إذا خرج تركنا الصلاة".
ووجه الاحتمال أن يكون ثعلبة عَنَى بذلك من كان داخل المسجد خاصة.
قال الحافظ العراقيّ في "شرح الترمذيّ": كلّ من نقل عنه -يعني: من الصحابة- منع الصلاة، والإمام يخطب محمول على من كان داخل المسجد؛ لأنه لم يقع عن أحد منهم التصريح بمنع التحيّة، وقد ورد فيها حديث يخصّها، فلا تترك بالاحتمال. انتهى.
قال الحافظ: ولم أقف على ذلك صريحًا عن أحد من الصحابة.
وأما ما رواه الطحاويّ عن عبد الله بن صفوان أنه دخل المسجد، وابن الزبير يخطب، فاستلم الركن، ثم سلّم عليه، ثم جلس، ولم يركع.
وعبد الله بن صفوان، وعبد الله بن الزبير صحابيّان صغيران، فقد استدلّ به الطحاويّ، فقال: لَمّا لم ينكر ابن الزبير على ابن صفوان، ولا من حضرهما من الصحابة ترك التحئة دلّ على صحة ما قلناه.
وتُعُقّب بأن تركهم النكير لا يدلّ على تحريمها، بل يدلّ على عدم وجوبها، ولم يقل به مخالفوهم.