للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وسيأتي في أواخر الكلام على هذا الحديث البحث في أن صلاة التحيّة، هل تعمّ كلّ مسجد، أو يُستثنى المسجد الحرام؛ لأن تحيته الطواف؟، فلعل ابن صفوان كان يرى أن تحيّته استلام الركن فقط.

قال الجامع عفا الله عنه: كون تحيّة المسجد الحرام الطوافَ فيه نظرٌ، بل الصواب أن تحيّته هي الصلاة، فمن طاف وصلى ركعتين، فلم يخرج من كونه صلى ركعتي التحيّة؛ لأنه لم يجلس قبلهما.

والحاصل أن الأمر بركعتي التحيّة يشمل من دخل المسجد الحرام، وأن ركعتي الطواف يتأدّى بهما الأمران جميعًا، فتبصّر، والله تعالى أعلم.

قال: وهذه الأجوبة التي قدّمناها تندفع من أصلها بعموم قوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي قتادة -رضي الله عنه-: "إذا دخل أحدكم المسجد، فلا يجلس حتى يُصلي ركعتين"، متفق عليه، وقد تقدّم الكلام عليه.

وورد أخصّ منه في حال الخطبة، ففي رواية شعبة، عن عمرو بن دينار، قال: سمعت جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو يخطب: "إذا جاء أحدكم، والإمام يخطب -أو قد خرج- فليُصلّ ركعتين" متفق عليه أيضًا، ولمسلم من طريق أبي سفيان، عن جابر -رضي الله عنه-، أنه قال ذلك في قصّة سُليك، ولفظه بعد قوله: "فاركعهما، وتجَوَّزْ فيهما": ثم قال: "إذا جاء أحدكم يوم الجمعة، والإمام يخطب، فليركع ركعتين، وليتجوّز فيهما".

قال النوويّ رحمهُ اللهُ: هذا نصّ لا يتطرّق إليه التأويل، ولا أظنّ عالِمًا يبلغه هذا اللفظ، ويعتقده صحيحًا، فيخالفه.

وقال أبو محمد بن أبي جمرة: هذا الذي أخرجه مسلم نصّ في الباب، لا يحتمل التأويل.

وحكى ابن دقيق العيد أن بعضهم تأوّل هذا العموم بتأويل مستكره.

وكأنه يُشير إلى بعض ما تقدّم من ادّعاء النسخ، أو التخصيص.

وقد عارض بعض الحنفية والشافعيّةَ بأنهم لا حجة لهم في قصّة سُليك؛ لأن التحيّة عندهم تسقط بالجلوس، وقد تقدّم جوابه.

وعارض بعضهم بحديث أبي سعيد -رضي الله عنه- رفعه: "لا تصلّوا، والإمام يخطب".