للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٤ - (ومنها): أن فيه أن من شرب الخمر دخل في الوعيد المذكور، سواء كان المشروب كثيرًا أم قليلًا؛ لأن شرب القليل من الخمر معدود من الكبائر، وإن كان ما يترتب على الشرب من المحذور من اختلال العقل أفحش من شرب ما لا يتغير معه العقل، وعلى القول الذي رجحه النووي من تأويل نفي الإيمان بنفي كماله، كما سيأتي، لا إشكال في شيء من ذلك؛ لأن لنقص الكمال مراتب، بعضها أقوى من بعض.

٥ - (ومنها): أنه استَدَلَّ به من قال: إن الانتهاب كلَّه حرام، حتى فيما أَذِنَ مالكه، كالنِّثَار في العُرْس، ولكن صرح الحسن، والنخعي، وقتادة، فيما أخرجه ابن المنذر عنهم، بأن شرط التحريم أن يكون بغير إذن المالك، وقال أبو عبيدة: هو كما قالوا، وأما النُّهْبَةُ المختلَف فيها، فهو ما أذن فيه صاحبه، وأباحه، وغَرَضُه تساويهم، أو مقاربة التساوي، فإذا كان القويّ منهم يغلب الضعيف، ولم تَطِبْ نفس صاحبه بذلك، فهو مكروه، وقد ينتهي إلى التحريم، وقد صرّح المالكية والشافعية والجمهور بكراهيته، وممن كرهه من الصحابة أبو مسعود البدري - رضي الله عنه -، ومن التابعين النخعي وعكرمة، قال ابن المنذر: ولم يكرهوه من الجهة المذكورة، بل لكون الأخذ في مثل ذلك إنما يحصل لمن فيه فضل قوّة أو قلة حياء.

واحتج الحنفية، ومن وافقهم، بأنه - صلى الله عليه وسلم - قال في الحديث الذي أخرجه أبو داود، من حديث عبد الله بن قرظ: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في البُدْن التي نحرها: "من شاء اقتطع"، واحتجوا أيضًا بحديث معاذ - رضي الله عنه - رفعه: "إنما نهيتكم عن نُهْبَى العساكر، فأما العرسان (١) فلا … " الحديث، وهو حديث ضعيف في سنده ضعف، وانقطاع. قال ابن المنذر: هي حجة قوية، في جواز أخذ ما يُنثَر في العرس ونحوه؛ لأن المبيح لهم قد عَلِمَ اختلاف حالهم في الأخذ، كما علم النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك، وأَذِن فيه في أخذ البدن التي نحرها، وليس فيها معنى، إلا وهو موجود في النثار.


(١) هكذا في بعض النسخ بلفظ "العرسان"، وفي بعضها: "الفرسان" بالفاء، ولعل الصواب: "فأما الْعُرس فلا". والله أعلم.