للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عليه عند أهل السنة، أن الإيمان اعتقاد بالقلب، ونطق باللسان، وعمل بالجوارح، وهو يشمل عمل الطاعة، والكفّ عن المعصية، فالمرتكب لبعض ما ذُكِر لم يختلّ اعتقاده ولا نطقه، بل اختلّت طاعته فقط، فليس بمؤمن بمعنى أنه ليس بمطيع، فمعنى نفي الإيمان محمول على الإنذار بزواله، ممن اعتاد ذلك؛ لأنه يُخشَى عليه أن يُفْضِي به إلى الكفر، وهو كقوله: "ومن يَرتَع حول الحمى … " الحديث، أشار اليه الخطابي.

وقد أشار المازري إلى أن القول المصَحَّح هنا، مبني على قول مَن يرى أن الطاعات تسمى إيمانًا.

قال الحافظ: والعجب من النووي، كيف جزم بأن في التأويل المنقول عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما حديثًا مرفوعًا، ثم صحح غيره، فلعله لم يَطَّلِع على صحته، وقد قدَّمتُ أنه يمكن ردّه إلى القول الذي صححه.

وقال الطيبي: يحتمل أن يكون الذي نقص من إيمان المذكور الحياءُ، وهو المعبر عنه في الحديث الآخر بالنور، وقد مضى أن الحياء من الإيمان، فيكون التقدير: لا يزني حين يزني، وهو يستحي من الله؛ لأنه لو استحى منه وهو يَعرف أنه مشاهد حاله لم يرتكب ذلك، وإلى ذلك تصح إشارة ابن عباس بتشبيك أصابعه، ثم إخراجها منها، ثم إعادتها إليها، ويعضده حديث: "من استحى من الله حق الحياء، فليحفظ الرأس، وما وعى، والبطن وما حوى" (١). انتهى.

قال الحافظ: وحاصل ما اجتمع لنا من الأقوال في معنى هذا الحديث ثلاثة عشر قولًا خارجًا عن قول الخوارج وعن قول المعتزلة، وقد أشرتُ إلى بعض الأقوال المنسوبة لأهل السنة يمكن ردّ بعضها إلى بعض.


(١) رواه الطبرانيّ، وأبو نعيم في "الحلية" من حديث الحكيم بن عمير بلفظ: "استحيوا من الله حقّ الحياء، احفظوا الرأس، وما حوى، والبطن، وما وعى، واذكروا الموت والبلا، فمن فعل ذلك كان ثوابه جنة المأوى". وهو ضعيف جدًّا، انظر: "ضعيف الجامع الصغير" للشيخ الألباني رحمه الله تعالى، رقم الحديث (٨٠٥).