للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال المازري: هذه التأويلات تَدفع قول الخوارج، ومن وافقهم من الرافضة، أن مرتكب الكبيرة كافر مُخَلَّد في النار إذا مات من غير توبة، وكذا قولَ المعتزلة: إنه فاسق مخلد في النار، فإن الطوائف المذكورين تعلقوا بهذا الحديث وشبهه، وإذا احتمل ما قلناه، اندفعت حجتهم.

وقال القاضي عياض رحمه الله تعالى: وأهل السنّة والهدى جمعوا بين معاني الأحاديث، وقرّروها على أصولها، واستدلّوا من حديث أبي ذرّ - رضي الله عنه - مرفوعًا: "من قال لا إله إلا الله دخل الجنة، وإن زنى وإن سرق" على منع التخليد، ومن هذا الحديث على نقص الإيمان بالمعاصي، كما وردت مفسّرةً في أحاديث كثيرة وآيٍ من القرآن منيرة.

قال: وأشار بعض العلماء، إلى أن في الحديث تنبيهًا على جميع أنواع المعاصي، والتحذير منها، فَنَبّه بالزنا على جميع الشهوات، وبالسرقة على الرغبة في الدنيا والحرص على الحرام، وبالخمر على جميع ما يَصُدُّ عن الله تعالى ويوجب الغفلة عن حقوقه، وبالانتهاب الموصوف على الاستخفاف بعباد الله، وترك توقيرهم، والحياء منهم، وعلى جمع الدنيا من غير وجهها. انتهى كلام القاضي عياض (١).

وقال القرطبي بعد أن ذكره مُلَخّصًا: وهذا لا يتمشى إلا مع المسامحة، والأولى أن يقال: إن الحديث يتضمن التحرز من ثلاثة أمور، هي من أعظم أصول المفاسد، وأضدادها من أصول المصالح، وهي استباحة الفروج المحرَّمة، وما يؤدي إلى اختلال العقل، وخص الخمر بالذكر لكونها أغلب الوجوه في ذلك، والسرقةَ بالذكر لكونها أغلب الوجوه التي يؤخذ بها مال الغير بغير حق.

قال الحافظ: وأشار بذلك إلى أن عموم ما ذكره الأول، يشمل الكبائر والصغائر، وليست الصغائر مرادةً هنا لأنها تُكَفَّر باجتناب الكبائر، فلا يقع الوعيد عليها بمثل التشديد الذي في هذا الحديث. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن، واتّضح بما سبق أن أحسن


(١) "إكمال المعلم" ١/ ٣٣٨ - ٣٤٠.
(٢) راجع: "الفتح" ١٤/ ٦ - ٨.