للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

التأويل هو ما نُقل عن حبر الأمة وبحرها، وترجمان القرآن عبد الله بن عبّاس رضي الله تعالى عنهما، وهو أنه يُنْزَع منه نور الإيمان، وقد أوضح كيفيّة نزعه لَمّا سأله عكرمة بأن شبّك أصابعه وأخرجها، ثم أعادها؛ لأنه وَرَد مرفوعًا، وخير ما فُسّر به الوارد هو الوارد، ولأنه تفسير صحابي وهو الراوي له، قال في "ألفية الأثر":

وَخَيْرُهُ مَا جَاءَ مِنْ طَرِيقٍ أوْ … عَنِ الصَّحَابِيِّ وَرَاوٍ قَدْ حَكَوْا

وقد صحّ، كما سبق حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - رفعه: "إذا زنى الرجل خرج منه الإيمان، فكان عليه كالظلة، فإذا أقلع رجع إليه الإيمان"، فلا تفسير أحسن من تفسير حديثه - صلى الله عليه وسلم - بحديثه، قال الله عز وجل: {وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِير} [فاطر: ١٤]، و"صاحب البيت أدرى بما فيه"، والله تعالى أعلم.

ثم رأيت لشيخ الاسلام ابن تيميّة رحمه الله تعالى كلامًا نفيسًا على هذا الحديث، يؤيّد ما سبق ترجيحه، ودونك نصّه (مجموع الفتاوى ٧/ ٦٧٠):

سئل رحمه الله تعالى عن معنى حديث النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إذا زنى العبد خرج منه الإيمان، فكان فوق رأسه كالظلة، فإذا خرج من ذلك العمل عاد إليه الإيمان"؟ رواه الترمذيّ، وأبو داود، وهل يكون الزاني في حالة الزنا مؤمنًا أو غير مؤمن؟ وهل حَمَلَ الحديث على ظاهره أحد من الأئمة، أو أجمعوا على تأويله؟.

فأجاب: الحمد لله، الناس في الفاسق من أهل الملة مثل الزاني والسارق والشارب ونحوهم ثلاثة أقسام: طرفان ووسط:

[أحد الطرفين]: أنه ليس بمؤمن بوجه من الوجوه، ولا يدخل في عموم الأحكام المتعلقة باسم الإيمان، ثم من هؤلاء من يقول: هو كافر كاليهوديّ والنصراني وهو قول الخوارج، ومنهم من يقول: نُنَزِّله منزلةً بين المنزلتين وهي منزلة الفاسق وليس هو بمؤمن ولا كافر، وهم المعتزلة، وهؤلاء يقولون: إن أهل الكبائر يُخَلَّدون في النار، وأن أحدًا منهم لا يخرج منها، وهذا من مقالات أهل البدع التي دلّ الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان على خلافها، قال الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: ٩] إلى قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: ١٠]، فسماهم مؤمنين، وجعلهم إخوة مع الاقتتال وبغي بعضهم على