للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

التفصيل، ومنهم من صَدَّق جملةً وتفصيلًا، ثم منهم من يدوم استحضاره وذكره لهذا التصديق، ومنهم من يَغْفُل عنه ويَذْهَل، ومنهم من استبصر فيه بما قذف الله في قلبه من النور والإيمان، ومنهم من جزم به لدليلٍ، قد تعترض فيه شبهة، أو تقليدٍ جازمٍ، وهذا التصديق يتبعه عمل القلب، وهو حب الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وتعظيم الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وتعزير الرسول وتوقيره، وخشية الله، والإنا بة إليه، والإخلاص له، والتوكل عليه إلى غير ذلك من الأحوال، فهذه الأعمال القلبية كلُّها من الإيمان، وهي مما يوجبها التصديق والاعتقاد إيجابَ العلة المعلولَ، ويتبع الاعتقادَ قولُ اللسان، ويتبع عملَ القلب الجوارحُ، من الصلاة والزكاة والصوم والحج ونحو ذلك.

وعند هذا فالقول الوسط الذي هو قول أهل السنة والجماعة أنهم لا يسلَبُون الاسم على الإطلاق، ولا يُعطونه على الإطلاق، فنقول: هو مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمن عاص، أو مؤمن بإيمانه، فاسق بكبيرته، ويقال: ليس بمؤمن حقًّا، أو ليس بصادق الإيمان.

وكل كلام أُطلق في الكتاب والسنة، فلا بد أن يقترن به ما يبيّن المراد منه، والأحكامُ منها ما يترتب على أصل الإيمان فقط، كجواز العتق في الكفارة، وكالموالاة والموارثة ونحو ذلك، ومنها ما يترتب على أصله وفرعه، كاستحقاق الحمد والثواب، وغفران السيئات، ونحو ذلك.

إذا عرفت هذه القاعدة، فالذي في "الصحيح" قوله: "لا يزني الزاني حين يزني، وهو مؤمن، ولا يسرق السارق، حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها، وهو مؤمن، ولا ينتهب نُهْبة ذات شرف، يَرفَع الناس إليه أبصارهم فيها حين ينتهبها وهو مؤمن"، والزيادة التي رواها أبو داود والترمذي صحيحة، وهي مفسرة للرواية المشهورة.

فقول السائل: هل حَمَلَ الحديث على ظاهره أحدٌ من الأئمة؟ لفظ مشترك، فإن عَنَى بذلك أن ظاهره أن الزاني يصير كافرًا، وأنه يُسْلَب الإيمان بالكلية، فلم يَحمِل الحديث على هذا أحدٌ من الأئمة، ولا هو أيضًا ظاهرُ الحديث؛ لأن قوله: "خرج منه الإيمان، فكان فوق رأسه كالظُّلَّة" دليل على أن الايمان لا يفارقه بالكلية، فإن الظلَّة تُظَلِّل صاحبها، وهي متعلقة، ومرتبطة به نوعَ ارتباط.