للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حضره الموت، وصار ينظر إلى الشيء، لا يرتدّ إليه طرفه. انتهى (١).

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: صوابه، وصحيحه شَقَّ بفتح الشين مبنيًّا للفاعل، وبرفع البصر؛ أي: انفتح، يقال: شَقّ بصر الميت، وشَقَّ الميتُ بصرَهُ: إذا شَخَصَ بصرَهُ، بفتح الخاء أيضًا، قاله صاحب "الأفعال"، ولم يَعرف أبو زيد الضمّ. انتهى (٢).

(فَأَغْمَضَهُ) أي: سدّ - صلى الله عليه وسلم - أجفان أبى سلمة - رضي الله عنه - بعد موته، وغطّاها؛ لئلا يقبح منظره.

(ثُمَّ قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ) بالبناء للمفعول (تَبِعَهُ الْبَصَرُ") معناه إذا خرج الروح من الجسد يتبعه البصر ناظرًا أين يَذْهَب، وفي الروح لغتان التذكير، والتأنيث، وهذا الحديث دليل للتذكير.

قال التوربشتيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: يَحْتَمِل هذا وجهين:

أحدهما: أن الروح إذا قُبض تبعه البصر؛ أي: في الذهاب، فلهذا أغمضته؛ لأن فائدة الانفتاح ذهبت بذهاب البصر عند ذهاب الروح.

والوجه الثاني: أن روح الإنسان إذا قبضتها الملائكة نظر إليها الذي حضره الموت نظرًا شزرًا لا يرتدّ إليه طرفه حتى تضمحلّ بقيّة القوّة الباصرة الباقية بعد مفارقة الروح الإنسانيّ التي يقع لها الإدراك والتمييز دون الحيوانيّ الذي به الحسّ والحركة، وغير مستنكر من قدرة الله تعالى أن يكشف عنه الغطاء ساعتئذ حتى يصير ما لَمْ يكن يبصره، وهذا الوجه في حديث أبي هريرة الآتي أظهر. انتهى (٣).

(فَضَجَّ) بتشديد الجيم: أي رفع الصوت بالبكاء، وصاح (نَاسٌ مِنْ أَهْلِهِ) أي: من أهل أبي سلمة - رضي الله عنه - (فَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم -: ("لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ) أي: لا تدعوا بالويل والثبور على عادة الجاهليّة، وقال القرطبيّ: ويمكن أن يكون المراد أنهم إذا تكلّموا في حقّ الميت بما لا يرضاه الله حتى يرجع تبعته


(١) "شرح النووي" ٦/ ٢٢٢ - ٢٢٣.
(٢) "المفهم" ٢/ ٥٧٢.
(٣) "المرعاة" ٥/ ٣١١.