اصبروا، ولا تجزعوا، فإن كل من مات قد انقضى أجله المسمى، فمحال تقدّمه أو تأخّره عنه، فإذا علمتم هذا كله فاصبروا، واحتسبوا ما نزل بكم، وهذا الحديث من قواعد الإسلام المشتملة على جُمَل من أصول الدين، وفروعه، والآداب. انتهى.
(فَمُرْهَا) أي: بالصبر والاحتساب (فَلْتَصْبِرْ، وَلْتَحْتَسِبْ") أي: تنوي بصبرها طلب الثواب من ربها، ليُحْسَبَ لها ذلك من عملها الصالح.
(فَعَادَ الرَّسُولُ) أي: رجع من عندها إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - (فَقَالَ: إِنَّهَا قَدْ أقسَمَتْ) أي: حلفت بالله (لَتَأْتِيَنَّهَا) بفتح اللام، ونون التأكيد المشددة، والجملة جواب القسم (قَالَ) أسامة (فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -) ووقع في حديث عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - عند الطبرانيّ أنها راجعته مرتين، وأنه إنما قام في ثالث مرة، وكأنها ألَحَّت عليه في ذلك دفعًا لما يظنه بعض أهل الجهل أنها ناقصة المكانة عنده، أوألهمها الله تعالى أن حضور نبيّه - صلى الله عليه وسلم - عندها يدفع عنها ما هي فيه من الألم ببركة دعائه، وحضوره، فحقّق الله ظنها.
والظاهر أنه امتنع أوّلًا مبالغة في إظهار التسليم لربه، أو ليبيّن الجواز في أن من دُعي لمثل ذلك لم تجب عليه الإجابة، بخلاف الوليمة مثلًا.
(وَقَامَ مَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ) ذُكر منهم في غير هذه الرواية عبادةُ بن الصامت، وعبد الرحمن بن عوف، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْب - رضي الله عنهم -، قال أسامة - رضي الله عنه -: (وَانْطَلَقْتُ) أي: ذهبت (مَعَهُمْ) أي: مع النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، والصحابة المذكورين (فَرُفِعَ) بالبناء للمفعول، قال في "الفتح": كذا هنا بالراء، وفي رواية حماد "فدُفع" بالدال، وبيّن في رواية شعبة أنه وُضع في حجره - صلى الله عليه وسلم -.
وفي هذا السياق حذف، والتقدير: فمشينا، إلى أن وصلنا إلى بيتها، فاستأذنّا، فأُذن لنا، فدخلنا، فرُفِع، ووقع بعض هذا المحذوف في رواية عبد الواحد، ولفظه: "فلما دخلنا، ناولوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والصبيّ … " (إِلَيْهِ) - صلى الله عليه وسلم - (الصَّبِيُّ) وقوله: (وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ) أصله "تتقعقع" فحُذف منه إحدى التاءين، كما في قوله تعالى:{تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ}[القدر: ٤]، وقوله: {فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (٦)} [عبس: ٦]، وقوله:{نَارًا تَلَظَّى}[الليل: ١٤]، قال في "الخلاصة":