للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أبو هريرة - رضي الله عنه -: "والله لئن انطلق رجل مجاهد في سبيل الله، فاستُشهد، فعَمَدَت امرأته، سَفَهًا وجهلًا، فبكت عليه، ليُعذّبنّ هذا الشهيد بذنب هذه السفيهة؟ "، وإلى هذا جَنَح جماعة من الشافعية، منهم أبو حامد وغيره.

(الثالث): تأويل من أَوَّل قوله: "ببكاء أهله عليه" على أن الباء للحال؛ أي: أن مبدأ عذاب الميت يقع عند بكاء أهله عليه، وذلك أن شدّة بكائهم غالبًا إنما تقع عند دفنه، وفي تلك الحالة يُسأل، ويبتدأ به عذاب القبر، فكأن معنى الحديث: إن الميت يُعذب حالة بكاء أهله عليه، ولا يلزم من ذلك أن يكون بكاؤهم سببًا لتعذيبه، حكاه الخطابيّ.

قال الحافظ رحمه الله: ولا يخفى ما فيه من التكلّف، ولعلّ قائله إنما أخذه من قول عائشة - رضي الله عنها -: إنما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنه ليعذّب بمعصيته، أو بذنبه، وإن أهله ليبكون عليه الآن"، وعلى هذا يكون خاصًّا ببعض الموتى.

(الرابع): تأويل من أوّله على أن الراوي سمع بعض الحديث، ولم يسمع بعضه، وأن اللام في الميت لِمَعهود معيّن، كما جزم به أبو بكر الباقلّانيّ وغيره، وحجتهم ما سيأتي عن عائشة - رضي الله عنها - أنه ذُكِرَ لها أن عبد الله بن عمر يقول: إن الميت ليعذّب ببكاء الحيّ عليه، فقالت: يغفر الله لأبي عبد الرحمن … الحديث.

(الخامس): تأويل من أوّله على أن ذلك مختصّ بالكافر، وأن المؤمن لا يُعذّب بذنب غيره أصلًا، وهو بيّن من رواية ابن عباس، عن عائشة - رضي الله عنها - كما سيأتي.

قال الحافظ رحمه الله: وهذه التأويلات عن عائشة - رضي الله عنها - متخالفة، وفيه إشعار بأنها لم ترُدّ الحديث بحديث آخر، بل بما استشعرته من معارضة القرآن.

قال الداوديّ: رواية ابن عباس، عن عائشة - رضي الله عنها - أثبتت ما نفته عمرة، وعروة عنها، إلا أنها خضته بالكافر؛ لأنها أثبتت أن الميت يزداد عذابًا ببكاء أهله، فأيّ فرق بين أن يزداد بفعل غيره، أو يعذّب ابتداء؟.

وقال القرطبيّ: إنكار عائشة - رضي الله عنها - ذلك، وحكمها على الراوي بالتخطئة، أو النسيان، أو على أنه سمع بعضًا، ولم يسمع بعضًا بعيد؛ لأن الرواة لهذا