للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المعنى من الصحابة كثيرون، وهم جازمون، فلا وجه للنفي مع إمكان حمله على محمل صحيح.

وقد جمع كثير من أهل العلم بين حديثي عمر وعائشة - رضي الله عنهما - بضروب من الجمع:

أولها: طريقة البخاريّ، حيث ترجم بقوله: باب قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "يعذّب الميت ببعض بكاء أهله عليه" إذا كان النوح من سنته، لقول الله تعالى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: ٦] الآية وقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "كلكم راع، ومسؤول عن رعيته"، فإذا لم يكن من سنته، فهو كما قالت عائشة - رضي الله عنها -: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤] … إلخ.

ثانيها: وهو أخصّ من الذي قبله ما إذا أوصى أهله بذلك، وبه قال المزنيّ، وإبراهيم الحربيّ، وآخرون، من الشافعية وغيرهم، حتى قال أبو الليث السمرقنديّ: إنه قول عامة أهل العلم، وكذا نقله النوويّ عن الجمهور قالوا: وكان معروفًا للقدماء حتى قال طَرَفَة بن العبد [من الطويل]:

إِذَا مِتُّ فَانْعِينِي بِمَا أَنَا أَهْلُهُ … وَشُقِّي عَلَيَّ الْجَيبَ يَا ابْنَةَ مَعْبَدِ

واعتُرض بأن التعذيب بسبب الوصيّة يُستَحَقّ بمجرّد صدور الوصيّة، والحديث دالّ على أنه إنما يقع عند وقوع الامتثال.

والجواب أنه ليس في السياق حصر، فلا يلزم من وقوعه عند الامتثال أن لا يقع إذا لم يمتثلوا مثلًا.

ثالثها: يقع ذلك أيضًا لمن أهمل نهي أهله عن ذلك، وهو قول داود، وطائفة، ولا يخفى أن محله ما إذا لم يتحقّق أنه ليست لهم بذلك عادة، ولا ظنّ أنهم يفعلون ذلك.

قال ابن المرابط: إذا علم المرء بما جاء في النهي عن النَّوْح، وعرف أن أهله من شأنهم يفعلون ذلك، ولم يُعلِمهم بتحريمه، ولا زجرهم عن تعاطيه، فإذا عُذّب على ذلك عُذِّب بفعل نفسه، لا بفعل غيره بمجرده.

رابعها: معنى قوله: "يعذّب ببكاء أهله"؛ أي: بنظير ما يَبكيه أهله به، وذلك أن الأفعال التي يُعَدِّدُون بها عليه غالبًا تكون من الأمور المنهيّة، فهم