للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يمدحونه بها، وهو يعذّب بصنيعه ذلك، وهو عين ما يَمدحونه به، وهذا اختيار ابن حزم، وطائفة، واستُدِلَّ له بما أخرجه الشيخان عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: اشتكى سعد بن عبادة شكوى له … الحديث، وفيه: "إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا، وأشار إلى لسانه، أو يرحم … " الحديث.

قال ابن حزم: فصحّ أن البكاء الذي يعذَّب به الإنسان ما كان منه باللسان؛ إذ يَندُبونه برياسته التي جار فيها، وشجاعته التي صرفها في غير طاعة الله، وجُوده الذي لم يضعه في الحقّ، فأهله يبكون عليه بهذه المفاخر، وهو يعذّب بذلك.

وقال الإسماعيليّ: كثُر كلام العلماء في هذه المسألة، وقال كلٌّ مجتهدًا على حسب ما قُدِّر له، ومن أحسن ما حضرني وجهٌ لم أرهم ذكروه، وهو أنهم كانوا في الجاهلية يُغِيرون، وَيسْبُون، ويَقتُلُون، وكان أحدهم إذا مات بكته باكيته بتلك الأفعال المحرّمة، فمعنى الخبر أن الميت يُعذّب بذلك الذي يبكي عليه أهله به؛ لأن الميت يُندب بأحسن أفعاله، وكانت محاسن أفعالهم ما ذُكر، وهي زيادة ذنب من ذنوبه يستحق العذاب عليها.

خامسها: معنى التعذيب توبيخ الملائكة له بما يُنْدَبه أهله به، كما رَوَى أحمد من حديث أبي موسى مرفوعًا: "الميت يعذّب ببكاء الحيّ؛ إذا قالت النائحة: وا عضداه، وا ناصراه، وا كاسياه، جُبِذَ الميتُ، وقيل له: أنت عضدها، أنت ناصرها، أنت كاسيها؟ "، ورواه ابن ماجه: "يُتَعْتَعُ به، ويقال: أنت كذلك؟ "، ورواه الترمذيّ بلفظ: "ما من ميت يموت، فتقوم نادبته، فتقول: واجبلاه، واسنداه، أو شبه ذلك من القول، إلا وُكل به ملكان يلهزانه، أهكذا كنت؟ "، وشاهده ما رواه البخاريّ في "المغازي" من حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنهما -، قال: "أُغمِي على عبد الله بن رواحة، فجعلت أخته تبكي، وتقول: واجبلاه، واكذا، واكذا، فقال حين أفاق: ما قلتِ شيئًا إلا قيل لي: أنت كذلك؟ ".

سادسها: معنى التعذيب تَألُّم الميت بما يقع من أهله من النياحة وغيرها،