سليمان بن بلال، عن يحيى:"قد كثُر بكاؤهنّ"، وعند ابن حبّان من طريق عبد الله بن عمرو، عن يحيى بلفظ:"قد أكثرن بكاءهنّ".
(فَأَمَرَهُ) - صلى الله عليه وسلم - (أَنْ يَذْهَبَ، فَيَنْهَاهُنَّ) وفي رواية النسائيّ: "فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: انْطَلِقْ، فَانْهَهُنَّ"(فَذَهَبَ) الرجل (فَأَتَاهُ) المرّة الثانية (فَذَكَرَ أَنَّهُنَّ لَمْ يُطِعْنَهُ) أي: في ترك البكاء، قال الطيبيّ: قوله: "لَمْ يُطعنه" حكاية لمعنى قول الرجل؛ أي: فذهب، فنهاهنّ، ثم أتى النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وقال: نهيتهنّ، فلم يُطعنني، يدلّ عليه قوله في المرّة الثالثة:"والله غلبننا"(فَأَمَرَهُ) - صلى الله عليه وسلم - (الثَّانِيَةَ) أي: المرة الثانية (أَنْ يَذْهَبَ فَيَنْهَاهُنَّ، فَذَهَبَ ثُمَّ أَتَاهُ) أي: فذهب إليهنّ، ونهاهن، فلم يُطعنه أيضًا، فأتاه المرّة الثالثة (فَقَالَ: وَاللهِ لَقَدْ غَلَبْنَنَا يَا رَسُولَ اللهِ) وفي رواية النسائيّ: "ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: قَدْ نَهَيْتُهُنَّ، فَأَبَيْنَ أَنْ يَنْتَهِينَ"، قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: كون نساء جعفر لَمْ يُطعن الناهي لهنّ عن البكاء، إما لأنه لَمْ يُصرّح لهنّ بأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - نهاهنّ، فظننّ منه أنه كالمحتسب في ذلك، وكالمرشد للمصلحة، أو لأنهنّ غُلبنَ في أنفسهنّ على سماع النهي لحرارة المصيبة، والله تعالى أعلم. انتهى.
(قَالَتْ) عمرة بنت عبد الرَّحمن (فَزَعَمَتْ) أي: قالت عائشة - رضي الله عنها -؛ لأن الزعم وإن كان الغالب أن يُستعمل فيما يُشكّ فيه، ولا يُتحقَّق، بل قال بعضهم: هو كناية عن الكذب، إلَّا أنه قد يُستعمل في المحقق (١)، وهذا منه (أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ) للرجل لما لَمْ ينتهين ("اذْهَبْ فَاحْثُ) بضمّ المثلّثة، وبكسرها، يقال: حثا يَحْثُو، وَيحْثِي، قال في "المصباح": حثا الرجلُ الترابَ يَحثوه حَثْوأ، وَيحْثيه حَثْيًا، من باب رَمَى لغةٌ: إذا هاله - أي: صبّه - بيده، وبعضهم يقول: قبضه بيده، ثمّ رماه، ومنه: "فاحثوا التراب في وجهه"، ولا يكون إلَّا بالقبض والرمي. انتهى. (فِي أفوَاهِهِنَّ مِنَ التُّرَابِ") وفي رواية: "فاحثِ في أفواههنّ التراَبَ" بحذف "من"، قيل: يؤخذ من هذا أن التأديب يكون بمثل هذا، وهذا إرشاد عظيم قلّ من يتفطّن له.
وقال في "الفتح": قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: هذا يدلّ على أنهنّ رفعن أصواتهنّ