كان حاضرًا إذ ذاك، لا مانع له من غسلها، وأنه لم يفوّض الأمر إلى النسوة، وجمهور العلماء على خلافه، وأنه أحقّ، وذهب الشعبيّ، والثوريّ، وأبو حنيفة إلى أنه لا يغسلها جملة، وقال سحنون: الأولياء أحقّ، واختلف الشافعيّة في أن النساء أحقّ بغسل الميتة من زوجها على وجهين، أصحهما نعم؛ لأنهنّ أليق، وأجمعَ العلماء على أن لها غسل زوجها، وإن كان فيه رواية عن أحمد، والأصحّ أنها تغسله أبدًا. انتهى.
وقال الإمام أبو بكر بن المنذر رحمه الله: أجمع أهل العلم على أن للمرأة أن تغسل زوجها إذا مات، وقد روينا عن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- أنه أوصى أن تغسله أسماء بنت عُميس زوجته، قال: وذلك بحضرة المهاجرين والأنصار، لم ينكر ذلك منهم منكر، وأن أبا موسى غسلته امرأته.
قال: واختلفوا في الرجل يغسل زوجته، فقالت طائفة: يغسلها، هكذا قال علقمة، وجابر بن زيد، وعبد الرحمن بن الأسود، وسليمان بن يسار، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وقتادة، وحماد بن أبي سليمان، ومالك، والأوزاعيّ، والشافعيّ، وأحمد بن حنبل، وإسحاق. وكرهت طائفة ذلك، كرهه الشعبيّ، وقال الثوريّ، وأصحاب الرأي: لا يغسلها.
قال ابن المنذر: وبالقول الأول أقول، ولا فرق بين غسل الرجل زوجته، وبين غسلها إياه، وليس فيما يحلّ لكلّ واحد بينهما، ويحرم من صاحبه في حياته، وبعد مماته فرق، فإن قال قائل: إن أبا بكر غسلته أسماء؟ قيل له: وغسل عليّ فاطمة، وليست العلة التي اعتلّ بها ناس، من باب غسل الموتى بسبيل؛ لأنه يطلقها ثلاثًا، فتكون في عدة منه، وتموت، فلا تغسله عند من خالفنا، فبطل لما كان هذا مذهب من خالفنا أن يكون لقوله: هي في عدة منه، وليس هو في عدة منها معنى، والله أعلم. انتهى كلام ابن المنذر رحمه الله (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: ما قاله الإمام ابن المنذر رحمه الله، من ترجيح القول بأن لكل واحد من الزوجين غسلَ الآخر هو الحق؛ لما ذكره، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.