للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث:

(عَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ) -رضي الله عنه- أنه (قَالَ: هَاجَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-) أي: بأمره وإذنه، أو المراد بالمعيّة الاشتراك في حكم الهجرة؛ إذ لم يكن معه -صلى الله عليه وسلم- حِسًّا إلا الصّدّيق، وعامرُ بن فُهَيرة -رضي الله عنهما- (فِي سَبِيلِ اللهِ) أي: لإعلاء كلمة الله تعالى (نَبْتَغِي وَجْهَ اللهِ) أي: نطلب بهجرتنا مرضاة الله تعالى، لا عَرَضًا من الدنيا وقال في "الفتح"؛ أي: جِهَة ما عنده، من الثواب، لا جهة الدنيا. انتهى. (فَوَجَبَ أَجْرُنَا عَلَى اللهِ) قال النوويّ رحمه الله: معناه وجوب إنجاز وعد بالشرع، لا وجوبٍ بالعقل (١) كما تزعمه المعتزلة، وهو نحو ما في الحديث: حقّ الله على العباد، وقد سبق شرحه في "كتاب الإيمان". انتهى (٢).

وفي رواية للبخاريّ من طريق ابن عيينة، عن الأعمش: "فوقع أجرنا على الله"، وهو موافق لقوله تعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [النساء: ١٠٠].

وأما قوله: "فوجب أجرنا"، فالمراد بالوجوب على الله إيجابه على نفسه بمقتضى وعده الصادق، حيث قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا} الآية [التوبة: ٧٢]، وقال تعالى: {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (٢٠)} [الزمر: ٢٠].

وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: "فوجب أجرنا على الله" أي: بما وعد به من هاجر بقوله الصدق، ووعده الحقّ، لا بالعقل؛ إذ لا يجب على الله تعالى شيء عقلًا، ولا وضعًا. انتهى (٣).

(فَمِنَّا مَنْ مَضَى) أي: مات (لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا) أي: من عَرَض الدنيا؛ يعني: أنه لم يوسّع عليه الدنيا، ولم يُعجّل له شيء من جزاء عمله،


(١) أي: بمجرد العقل دون الاستناد إلى الشرع، وإلا فما أوجبه الشرع فقد أوجبه العقل، فتنبّه.
(٢) "شرح النوويّ" ٧/ ٦.
(٣) "المفهم" ٢/ ٥٩٧.