خلافاً لمن تمسّك بظاهر بعض الروايات، فزعم أنه يحصل بالمجموع ثلاثة قراريط. انتهى.
وقال في موضع آخر: قوله: "حتى تُدفَن": ظاهره أن حصول القيراط متوقف على فراغ الدفن، وهو أصحّ الأوجه عند الشافعية وغيرهم، وقيل: يحصل بمجرد الوضع في اللحد، وقيل: عند انتهاء الدفن قبل إهالة التراب، وقد وردت الأخبار بكلّ ذلك، ويترجّح الأول للزيادة، ففي هذه الرواية:"حتى يُفرَغ منها"، وفي رواية عند مسلم:"حتى توضع في اللحد"، وفي رواية له:"حتى توضع في القبر"، وفي رواية لأحمد:"حتى يُقضَى قضاؤها"، وللترمذي:"حتى يُقضَى دفنُها"، ولأبي عوانة:"حتى يُسوّى عليها"؛ أي: التراب، وهي أصرح الروايات في ذلك.
وَيحْتَمِل حصول القيراط بكلّ من ذلك، لكن يتفاوت القيراط، كما تقدّم. انتهى ما قاله في "الفتح" بتصرّف (١).
(فَلَهُ قِيرَاطَانِ") قال النووي - رحمه الله -: معناه بالأول، فيَحْصُل بالصلاة قيراط، وبالاتّباع مع حضور الدفن قيراط آخر، فيكون الجميع قيراطين، تُبَيَّنه رواية البخاريّ في أول "صحيحه" في "كتاب الإيمان": "من شَهِد جنازة، وكان معها حتى يُصَلَّى عليها، ويُفْرَغ من دفنها، رَجَعَ من الأجر بقيراطين"، فهذا صريح في أن المجموع بالصلاة والاتباع، وحضور الدفن قيراطان، قال: وفي رواية البخاريّ هذه مع رواية مسلم التي ذكرها بعد هذا، من حديث عبد الأعلى: "حتى يُفْرَغ منها" دليلٌ على أن القيراط الثاني لا يحصل إلا لمن دام معها من حين صُلَّي إلى أن فَرَغ دفنها، وهذا هو الصحيح عند أصحابنا، وقال بعض أصحابنا: يَحْصُل القيراط الثاني إذا سُتِر الميت في القبر باللَّبِن، وإن لم يُلْقَ عليه التراب، والصواب الأول.
وقد يَسْتَدِلُّ بلفظ الاتّباع في هذا الحديث وغيره مَن يقول: المشيُ وراء الجنازة أفضل من أمامها، وهو قول عليّ بن أبي طالب، ومذهب الأوزاعيّ، وأبي حنيفة، وقال جمهور الصحابة، والتابعين، ومالكٌ، والشافعيّ، وجماهير