قالوا: طُوِيت له الأرضُ، وأُحضرت الجنازة بين يديه، قلنا: إن ربّنا عليه لقادر، وإن نبيّنا -صلى الله عليه وسلم- لأهلٌ لذلك، ولكن لا تقولوا: إلا ما رَوَيتم، ولا تخترعوا حديثًا من عند أنفسكم، ولا تحدثوا إلا بالثابت، ودعوا الضعاف، فإنه سبيل إتلاف، إلى ما ليس له تلاف. انتهى.
وقال الكرمانيّ رحمه الله: قولهم: رُفع الحجاب عنه. ممنوع، ولئن سلّمنا، فكان غائبًا عن الصحابة الذين صلّوا عليه مع النبي -صلى الله عليه وسلم-.
قال العلامة الشوكانيّ رحمه الله تعالى بعد ذكر ما تقدّم:
والحاصل أنه لم يأت المانعون من الصلاة على الغائب بشيء يعتدّ به، سوى الاعتذار بأن ذلك مختصّ بمن كان في أرض لا يصلّي عليه فيها أحد، وهو أيضًا جمود على قصّة النجاشيّ، يدفعه الأثر، والنظر. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الذي يترجّح عندي في هذه المسألة قول من قال بجواز الصلاة على الغائب، وأقوى دليل على ذلك قصّة النجاشيّ -رضي الله عنه- فإن أقل ما يستفاد منه أنه -صلى الله عليه وسلم- فعله لبيان الجواز، وأما ما عداها مما يدل على أنه -صلى الله عليه وسلم- صلى على غائب غيره، فلا يثبت شيء منها.
فقد ذُكر أنه -صلى الله عليه وسلم- صلى على ثلاثة غير النجاشيّ، معاوية بن معاوية المزنيّ، وزيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، لكنها كلها لم تثبت.
أما حديث صلاته على معاوية بن معاوية المزنيّ، فقد وردت قصته من حديث أنس، وأبي أمامة، مسندة، ومن طريق ابن المسيّب، والحسن البصريّ مرسلة.
فأما حديث أنس، ففي سندها محبوب بن هلال المزني، قال في الميزان: لا يعرف، وحديثه منكر، وقال البخاريّ: لا يتابع على حديثه، وله طريق آخر فيه يحيى بن أبي محمد قد ضُعّف، وبقية بن الوليد مدلّس تدليس التسوية، وله طريق ثالث، وفيها العلاء بن يزيد الثقفيّ، متفق على ضعفه، بل قال ابن المدينيّ: يضع الحديث، وقال ابن حبان: روى عن أنس نسخة موضوعة، منها الصلاة بتبوك صلاة الغائب على معاوية بن معاوية الليثيّ.