"ليس فيما دون خمس أواق صدقة"، ولأنه مالٌ تجب فيه الصدقة، فلم تجب في يسيره، كسائر الأموال الزكوية، وإنما لم يُعتبر فيه الحول؛ لأنه يكمل نماؤه باستحصاده لا ببقائه، واعتُبر الحول في غيره؛ لأنه مظنّة لكمال النماء في سائر الأموال، والنصابُ اعتُبر ليبلغ حدًّا يحتمل المواساة منه، فلهذا اعتبر فيه. قاله ابن قدامة رَحمه الله (١).
وقال الإمام ابن القيّم رحمه الله في "إعلام الموقّعين"(١/ ٢٨٣): لا تعارض بين الحديثين بوجه من الوجوه، فإن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فيما سقت السماء العشر" إنما أُريد به التمييز بين ما يجب فيه العشر، وبين ما يجب فيه نصفه، فذَكَرَ النوعين مُفرِّقًا بينهما في مقدار الواجب، وأما مقدار النصاب فسكت عنه في هذا الحديث، وبيّنه نصًّا في الحديث الآخر، فكيف يجوز العدول عن النّصّ الصحيح الصريح المحكم الذي لا يحتمل غير ما دلّ عليه البتّة إلى المجمل المتشابه الذي غايته أن يُتعلّق فيه بعمومٍ لم يُقصد، وبيانه بالخاصّ المحكم المبيّن، كبيان سائر العمومات بما يخصّصها من النصوص. انتهى.
قال صاحب "المرعاة": ذهب جمهور الأصوليين، وعامّتهم إلى جواز تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد الصحيح، وهو الحقّ، واحتجّ لذلك في "المحصول" بأن العموم، وخبر الواحد دليلان متعارضان، وخبر الواحد أخصّ من العموم، فوجب تقديمه على العموم.
قال الشوكانيّ: وأيضًا يدلّ على جواز التخصيص دلالة بيّنة واضحة ما وقع من أوامر الله عزّ وجلّ باتباع نبيّه - صلى الله عليه وسلم - من غير تقييد، فإذا جاء عنه الدليل كان اتباعه واجبًا، وإذا عارضه عموم قرآنيّ كان سلوك طريقة الجمع ببناء العامّ على الخاصّ متحتّمًا، ودلالة العامّ على أفراده ظنيّةٌ، لا قطعيّة، فلا وجه لمنع تخصيصه بالأخبار الصحيحة الآحادية. انتهى.
ثم قال ابن القيّم رحمه الله: ويا لله العجب، كيف يخصّون عموم القرآن والسنّة بالقياس الذي أحسن أحواله أن يكون مختلفًا في الاحتجاج به، وهو محلّ اشتباه، واضطرابٍ؛ إذ ما من قياس، إلا وتمكن معارضته بقياس مثله،