أو دونه، أو أقوى منه، بخلاف السنّة الصحيحة الصريحة، فإنها لا يُعارضها إلا سنّةٌ ناسخةٌ معلومة التأخّر والمخالفة.
ثم يقال: إذا خصّصتم عموم قوله: "فيما سقت السماء العشر" بالقصب والحشيش، ولا ذكر لهما في النصّ، فهلّا خصصتموه بقوله:"لا زكاة في حبّ، ولا ثمر حتى يبلغ خمسة أوسق"، وإذا كنتم تخصّون العموم بالقياس، فهلّا خصّصتم هذا العامّ بالقياس الجليّ الذي هو من أجلى القياس، وأصحّه على سائر أنواع المال الذي تجب فيه الزكاة، فإن الزكاة الخاصّة لم يشرعها الله عزّ وجلّ، ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم - في مال إلا وجعل له نصابًا، كالمواشي، والذهب، والفضّة. ويقال أيضًا: هلّا أوجبتم الزكاة في قليل مال، وكثيرة؛ عملًا بقوله تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}[التوبة: ١٠٣]، وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من صاحب إبلٍ، ولا بقرٍ، لا يؤدّي زكاتها، إلا بُطح له بقاعٍ قَرْقَرٍ … "، وبقوله:"ما من صاحب ذهب، ولا فضة، لا يؤدّي زكاتها إلا صُفّحت له يوم القيامة صفائح من نار … "، وهلّا كان هذا العموم عندكم مقدّمًا على أحاديث النصب الخاصّة، وهلّا قلتم هناك تعارض مسقطٌ، وموجبٌ، فقدّمنا الموجب احتياطًا، وهذا في غاية الوضوح. انتهى.
وقد اتضح بهذا كلّه كلّ الاتضاح أنه يجب تخصيص عموم قوله تعالى:{وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} الآية [البقرة: ٢٦٧]، وحديث ابن عمر - رضي الله عنهما -: "فيما سقت السماء العشر … " الحديث، وحديث جابر - رضي الله عنه -: "فيما سقت الأنهار والغيم العشور" بحديث الأوساق السابقة، كما خُصّص قوله تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} بالأخبار التي دلّت على كون الزكاة منحصرة في أشياء مخصوصة، وقوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}[التوبة: ٣٤] بأحاديث النُّصُب الخاصّة، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "في سائمة الإبل الزكاة" بقوله: "ليس فيما دون خمس ذود صدقة"، وقوله:"في الرّقة ربع العشر" بقوله: "ليس فيما دون خمس أواق صدقة".
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن بما ذُكر من الأدلّة أن ما ذهب إليه الجمهور من اشتراط النصاب، في زكاة الزروع والثمار، وهو خمسة أوسق، هو الحقّ؛ لوضوح أدلّته، كما تقدّم بيانها.