للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقد بالغ صاحب "المرعاة" في تتبّع متمسّكات الحنفيّة في عدم وجوب النصاب، والإجابة عليها بما لا تجده مجموعًا في كتاب غيره، فراجعه في (٦/ ٦٨ - ٧٥) تستفد علمًا جمًّا، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السادسة): قال الإمام ابن قدامة رحمه اللهُ ما حاصله: لا نعلم خلافًا أن العشر يجب فيما سُقي بغير مؤنة، ونصف العشر فيما سُقي بالْمُؤنة.

هذا إذا كان السقي المذكور بنوعيه كلّ السّنة، وأما إذا سُقي نصف السنة بكُلفة، ونصفها بغير كلفة، ففيه ثلاثة أرباع العشر.

وهذا قول مالك، والشافعيّ، وأصحاب الرأي، ولا نعلم فيه مخالفًا؛ لأن كلّ واحد منهما لو وجد في جميع السنة لأوجب مقتضاه، فإذا وُجد في نصفها أوجب نصفه، وإن سُقي بأحدهما أكثر من الآخر اعتُبر أكثرهما، فوجب مقتضاه، وسقط حكم الآخر؛ أي: كان حكم الأقلّ تبعًا للأكثر، نصّ عليه أحمد، وهو قول عطاء، والثوريّ، وأبي حنيفة، وأحد قولي الشافعيّ، وقال ابن حامد: يؤخذ بالقِسْط، وهو القول الثاني للشافعيّ؛ لأنهما لو كانا نصفين أُخذا بالحصّة، فكذلك إذا كان أحدهما أكثر، كما لو كانت الثمرة نوعين.

ووجه الأول أن اعتبار مقدار السقي، وعدد مراته، وقدر ما يُشرَب في كلّ سَقْيَة يَشُقّ، وَيتَعَذّر، فكان الحكم للأغلب منهما كالسوم في الماشية.

وإن جُهل المقدار غلّبنا إيجاب العشر احتياطًا، نصّ عليه أحمد، في رواية ابنه عبد الله؛ لأن الأصل وجوب العشر، وإنما يَسقط بوجود الكُلْفة، فما لم يتحقّق المسقط يَبقى على الأصل؛ ولأن الأصل عدم الكلفة في الأكثر، فلا يثبت وجودها مع الشكّ فيه، وإن اختلف الساعي، وربّ المال في أيهما سُقي به أكثر، فالقول قول ربّ المال بغير يمين، فإن الناس لا يُستحلفون على صدقاتهم. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي حقّقه ابن قُدامة رحمه اللهُ حسنٌ جدًّا، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.


(١) "المغني" ٥/ ١٦٦ - ١٦٧.