للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بها، ولم ينهنا عنها، ونحن نفعله (١).

وقال جمهور من أهل العلم من التابعين، ومن بعدهم: هي فرضٌ واجبٌ على حسب ما فرضها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لم ينسخها شيء.

وممن قال بهذا: مالك بن أنس، وسفيان الثوريّ، والأوزاعيّ، والشافعيّ، وأبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد، وأبو ثور، وأحمد بن حنبل، وإسحاق ابن راهويه. قال إسحاق: هو الإجماعُ.

وقال أشهب: سألت مالكاً عن زكاة الفطر، أواجبة هي؟ قال: نعم. وذكر أبو التَمَّام، قال: قال مالك: زكاة الفطر واجبة. قال: وبه قال أهل العلم كلّهم إلا بعض أهل العراق، فإنه قال: هي سنّة مؤكّدةٌ.

قال أبو عمر: اختلف المتأخّرون من أصحاب مالك في وجوبها، فقال بعضهم: هي سنّةٌ مؤكّدة. وقال بعضهم: هي فرضٌ واجبٌ. وممن ذهب إلى هذا أصبغ بن الفَرَج.

واختلف أصحاب داود في ذلك على قولين أيضاً: أحدهما: أنها فرض واجبٌ. والآخر أنها سنّةٌ مؤكّدةٌ. وسائر العلماء على أنها واجبةٌ. انتهى كلام ابن عبد البرّ في "الاستذكار" (٢).

وقال في "التمهيد": وأما قول ابن عمر في هذا الحديث: "فرضَ إلخ" فإنه يحتمل وجهين: أحدهما -وهو الأظهر- فرض بمعنى أوجب، والآخر فرض بمعنى قدّر من المقدار، كما تقول: فرض القاضي نفقة اليتيم؛ أي: قدّرها، وعرف مقدارها.

والذي أذهبُ إليه أن لا يزال قوله: فَرَضَ على معنى الإيجاب، إلا بدليل الإجماع، وذلك معدوم في هذا الموضع، وقد فَهِمَ المسلمون من قوله عز وجل: {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ} الآية [النساء: ١١]، ونحو ذلك أنه شيء أوجبه، وقدّره، وقضى به، وقال الجميع للشيء الذي أوجبه الله: هذا فرض، وما أوجبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فعن الله أوجبه، وقد فرض الله طاعته، وحذر مخالفته،


(١) أخرجه النسائي برقم ٢٥٠٧. وأخرجه ابن ماجه برقم ١٨٢٨.
(٢) "الاستذكار" ٩/ ٣٤٨ - ٣٥٠.