اليمن، قال:"ائتوني بعرض ثياب، آخذه منكم مكان الذرة، والشعير، فإنه أهون عليكم، وخير للمهاجرين بالمدينة". قال: وحدّثنا جرير، عن ليث، عن عطاء، قال: كان عمر بن الخطّاب يأخذ العروض في الصدقة من الدراهم؛ ولأن المقصود دفع الحاجة، ولا يختلف ذلك بعد اتحاد قدر الماليّة باختلاف صور المال.
قال ابن قدامة: ولنا قول ابن عمر: "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صدقة الفطر، صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير"، فإذا عدل عن ذلك، فقد ترك المفروض. وقال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "في أربعين شاةً شاةٌ"، وفي مائتي درهم خمسة دراهم. وهو وارد لبيان مجمل قوله تعالى:{وَآتُوا الزَّكَاةَ}[البقرة: ٤٣]، فتكون الشاة المذكورة هي الزكاة المأمور بها، والأمر للوجوب. انتهى.
وقد وافق الإمام البخاريّ في ذلك الحنفيّةَ، فقال بجواز إخراج العروض في الزكاة؛ إذا كانت بقيمتها؛ إذ ترجم بقوله:"باب الْعَرْضِ في الزكاة"، وذكر فيه أثر طاوس المتقدّم، وغيره من الأحاديث. وقد أجاب الجمهور عن جميع ذلك، وقد تقدّم البحث عن ذلك.
وقال الشوكانيّ رحمهُ اللهُ في كتابه "السيل الجرّار" في شرح قول صاحب "حدائق الأزهار": "إنما تجزئ القيمة للعذر": أقول هذا صحيح؛ لأن ظاهر الأحاديث الواردة بتعيين قدر الفطرة من الأطعمة أنّ إخراج ذلك مما سمّاه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- متعيّنٌ، وإذا عرض مانع من إخراج العين، كانت القيمة مجزئة؛ لأن ذلك هو الذي يمكن مَنْ عليه الفطرة، ولا يجب عليه ما لا يدخل تحت إمكانه. انتهى كلام الشوكانيّ (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي قاله الشوكانيّ رحمهُ اللهُ هو الأرجح عندي.
وحاصله أن دفع عين ما وجب في زكاة الفطر، أو زكاة المال هو المتعيّن، فإن لم يتيسّر جازت القيمة؛ لقول الله تعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} الآية [البقرة: ٢٨٦]، وقوله:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} الآية [التغابن: ١٦]،