للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وحَكَى ابن المنذر عن ابن سيرين، والنخعيّ أنهما كانا يرخّصان في تأخيرها عن يوم الفطر، قال: وقال أحمد: أرجو أن لا يكون بذلك بأس (١).

وذكر ابن قُدامة أن محمد بن يحيى الكحّال قال: قلت لأبي عبد الله: فإن أخرج الزكاة، ولم يعطها، قال: نعم؛ إذا أعدّها لقوم، قال ابن قُدامة: واتباع السنّة أولى. انتهى (٢).

ومما استُدلّ به على أنه لا يجوز تأخير إخراجها عن يوم العيد ما رواه البيهقيّ في "سننه" (٤/ ١٧٥) من طريق أبي معشر السِّنْدِيّ، عن نافع، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، أنه قال: "أغنوهم عن طواف هذا اليوم"، وفيه أبو معشر نَجِيح السِّنْديّ المدينيّ، ضعيف.

وقال ابن حزم رحمهُ اللهُ: إذا تمّ الخروج إلى صلاة الفطر بدخول وقت دخولهم في الصلاة، فقد خرج وقتها، فمن لم يؤدّها حتى خرج وقتها، فقد وجبت في ذمّته وماله لمن هي له، فهي دين لهم، وحقّ من حقوقهم، قد وجب إخراجها من ماله، وحَرُم عليه إمساكها في ماله، فوجب عليه أداؤها أبدًا، فإذا أداها سقط بذلك حقهم، ويبقى حقّ الله تعالى في تضييعه الوقت، لا يَقدِر على جبره إلا بالاستغفار، والندامة. انتهى كلامه رحمهُ اللهُ بتصرّف (٣).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن ما ذهب إليه ابن حزم رحمهُ اللهُ في هذه المسألة أرجح المذاهب؛ لحديث الباب، حيث أَمَرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تُؤَدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة، وقد قال الله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: ٦٣]، ولا يتوعّد الله سبحانه وتعالى بمثل هذا التوعّد إلا على ترك واجب، فثبت بذلك وجوب أدائها قبل الصلاة، فإذا وجب حَرُمَ تأخيرها، ويؤيّد ذلك الحديثُ المتقدّمُ: "من أدّاها قبل الصلاة، فهي زكاة مقبولة، ومن أدّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات"، وهو حديث حسن.

والحاصل أنه لا يجوز تأخيرها عن الصلاة؛ لما ذكر، ولكن لا تسقط


(١) "طرح التثريب" ٤/ ٦٤.
(٢) راجع: "طرح التثريب" ٤/ ٦٤.
(٣) راجع: "المحلّى" ٦/ ١٤٣.