قال الحافظ: وهما قصتان متغايرتان، وإن اشتركتا في المعنى الأخير، وهو سؤال الصحابيّ بقوله:"وإن زنى، وإن سرق"، واشتركا أيضًا في قوله:"وإن رغم"، ومن المغايرة بينهما أيضًا وقوع المراجعة المذكورة بين النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - وجبريل في رواية أبي ذرّ دون أبي الدرداء، وله عن أبي الدرداء طرُق أخرى:
منها: للنسائيّ من رواية محمد بن سعد بن أبي وقاص، عن أبي الدرداء، نحو رواية عطاء بن يسار.
ومنها: للطبرانيّ من طريق أم الدرداء، عن أبي الدرداء، رفعه بلفظ:"من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة"، فقال أبو الدرداء: وإن زنى، وإن سرق؟ فقال النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "وإن زنى، وإن سرق، على رغم أنف أبي الدرداء".
ومن طريق أبي مريم، عن أبي الدرداء نحوه.
ومن طريق كعب بن ذهل: سمعت أبا الدرداء، رفعه:"أتاني آت من ربي، فقال: من يعمل سوءاً أو يظلم نفسه، ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً، فقلت: يا رسول الله وإن زنى، وإن سرق؟ قال: نعم، ثم ثلثت، فقال: على رغم أنف عويمر، فرددها، قال: فأنا رأيت أبا الدرداء يضرب أنفه بإصبعه".
ومنها: لأحمد من طريق واهب بن عبد الله المعافريّ، عن أبي الدرداء رفعه:"من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، دخل الجنة، قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق، قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق، على رغم أنف أبي الدرداء، قال: فخرجت لأنادي بها في الناس، فلقيني عمر، فقال: ارجع فإن الناس إن يَعْلَمُوا بهذا اتكلوا عليها، فرجعت، فأخبرت النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: صدق عمر"(١).
وقد وقعت هذه الزيادة الأخيرة لأبي هريرة - رضي الله عنه -، وقد تقدَّم البحث فيها مستوفى في "كتاب الإيمان"، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.