للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

به ما أراده بقوله: "ما يسُرّني أن لي … إلخ" (فَنَظَرْتُ مَا عَلَيَّ مِنَ الشَّمْسِ) ثم بيّن سبب نظره الشمس، بقوله: (وَأنَا أَظُنُّ أنَّهُ يَبْعَثُنِي فِي حَاجَةٍ لَهُ) يعني: أنه ظنّ أنه -صلى الله عليه وسلم- يرسله إلى أُحُد لقضاء حاجة، فاراد أن يعلم قدر الباقي من الوقت، هل يكفيه للذهاب والرجوع أم لا؟ (فَقُلْتُ: أَرَاهُ) أي: أُحُدًا (فَقَالَ) -صلى الله عليه وسلم- ("مَا) نافية (يَسُرُّنِي) بفتح أوله، وضمّ ثالثه؛ أي: يُفرِحني (أَن لِي مِثْلَهُ) أي: مثل احُد (ذَهَبًا) منصوب على التمييز (أنْفِقُهُ كُلَّهُ) بالنصب توكيد للضمير المنصوب (إِلا ثَلَاَثةَ دَنَانِيرَ") قال القرطبيّ رحمه الله، رحمه الله: يعني: دينارًا يرصُده لدين؛ أي: يؤخّره، ودينارًا لأهله، ودينارًا لإعتاق رقبة. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: هكذا فسّر القرطبيّ الثلاثة الدنانير بهذا التفسير، ولم يذكر مُستنده في ذلك، فليُتأمّل، والله تعالى أعلم.

(ثُمَّ هَؤُلَاءِ يَجْمَعُونَ الدُّنْيَا لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا) قال القرطبيّ رحمه الله: ظاهر احتجاج أبي ذرّ -رضي الله عنه- بهذا الحديث وشبهه أن الكنز المتوعّد عليه هو جَمْعُ ما فَضَلَ عن الحاجة، وهكذا نُقل من مذهبه، وهو من شدائده -رضي الله عنه-، ومما انفرد به، وقد رُوي عنه خلاف ذلك، وحُمِل إنكاره هذا على ما أخذه السلاطين لأنفسهم، وجمعوه لهم من بيت المال وغيره، ولذلك هَجَرهم، وقال: لا أسألهم دنيا، ولا أستفتيهم عن دين، والله أعلم. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: قد سبق أن حمل إنكار أبي ذرّ -رضي الله عنه- على سلاطين وقته باطلٌ؛ لأنهم هم الخلفاء الراشدون، فلا يمكن أن يفعلوا ذلك، بل الصواب أن مذهب أبي ذرّ -رضي الله عنه- أنه يرى أن أخذ ما فضل عن حاجة الإنسان يُعتبر من الكنز المتوعّد عليه، وهذا تشدّد منه -رضي الله عنه-.

(قَالَ) الأحنف (قُلْتُ: مَا لَكَ) "ما" استفهاميّة؛ أي: أيّ شيء ثبتٌ لك (وَلِإخْوَتك مِنْ قُرَيْشٍ لَا تَعْتَرِيهِمْ) أي: تزورهم وتأتيهم تطلب حاجتك منهم، يقال: عَرَوْته واعتروته، واعتريته، واعتررته براءين: إذا أتيته تطلب حاجتك منه، ومن الأخيرة قوله تعالى: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} الآية [الحج: ٣٦]، وهو الزائر، وقوله: (وَتُصِيبُ مِنْهُمْ؟) مؤكّد لما قبله؛ أي: تأخذ من أموالهم


(١) "المفهم" ٣/ ٣٤.
(٢) "المفهم" ٣/ ٣٤.