والحاصل أنّ سبب بيعه كونه فقيرًا محتاجًا إليه، حيث لا مال له سواه، وتحمّله الدين، والله تعالى أعلم.
(فَقَالَ) -صلى الله عليه وسلم- ("مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي"؟) فيه جواز بيع المدبّر، وفيه خلاف بين أهل العلم، والراجح جوازه مطلقًا، وهو قول الشافعيّ، وأهل الحديث.
ومنهم من منع مطلقًا، وهو قول مالك، والأوزاعيّ، والكوفيين.
ومنهم من أجازه للحاجة، وهو قول الليث بن سعد.
وقال السنديّ رحمه الله في "شرح النسائيّ": من لا يرى بيع المدبّر، منهم من يَحْمِله على أنه كان مدبّرًا مقيّدًا بمرضٍ، أو بمدّة، كعلمائنا -يعني: الحنفيّة- ومنهم من يَحْمِله على أنه دبّره، وهو مديون، كأصحاب مالك، والأول بعيدٌ، والثاني يردّه آخر الحديث. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي قاله السنديّ رحمه الله إنصاف منه حيث رذ على أهل مذهبه، وغيرهم؛ لمخالفتهم الحديث، فيا ليت أصحاب المذاهب المتأخّرين كلهم كانوا هكذا، وانقادوا للنصّ إذا اتّضح لهم الحقّ، ولا يعاندوا، ولا يتعصّبوا لمذهبهم، ولا يتعلّلوا بتعليلات باردة في إعراضهم عن النص بالتأويل البعيد، اللهمّ أرنا الحقّ حقّا، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا، وارزقنا اجتنابه، إنك أرحم الراحمين.
(فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْعَدَوِيُّ) هو نُعيم بن عبد الله بن أُسيد بن عبد عوف بن عبيد بن عُويج بن عديّ بن كعب القرشيّ العدويّ، المعروف بـ "النحّام"، قيل له ذلك؛ لأنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال له:"دخلت الجنة، فسمعت نَحْمة من نُعيم"، وأخرج ابن قتيبة في "الغريب" من طريق عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبيه، قال: خرجنا في سريّة زيد بن حارثة التي أصاب فيها بني فَزَارةَ، فأتينا القوم خلوفًا، فقاتل نعيم بن النحّام العدويّ يومئذ قتالًا شديدًا.
و"النحْمَةُ" هي السَّعْلَة التي تكون في آخر النَّحْنَحَة الممدود آخرها.
وقال خليفة: أمّه فاختة بنت حرب بن عبد شمس، وهي عدويّة أيضًا، من رهط عمر، وقال البخاريّ: له صحبة.