مغازيه، وحضرت أمه الوفاة بالمدينة، قيل لها: أوصي، فقالت: فيم أوصي؟ المال مال سعد، فتُوفّيت قبل أن يقدم سعد"، فذكر الحديث، فإن أمكن تأويل رواية الباب بان المراد أنها لم تتكلّم؛ أي: بالصدقة، "ولو تكلّمت لتصدّقت"؛ أي: فكيف أُمْضِي ذلك؟، أو يُحْمَل على أن سعدًا ما عَرَف بما وقع منها، فإن الذي روى هذا الكلام في "الموطّأ" هو سعيد بن سعد بن عبادة، أو ولده شُرَحبيل مرسلًا، فعلى التقديرين لم يتّحد راوي الإثبات، وراوي النفي، فيمكن الجمع بينهما بذلك، والله أعلم. انتهى.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: رواية "الموطّأ" التي ذكرها هي رواية النسائيّ أيضًا.
وحاصل الجواب أن المراد أنها لم تتكلّم بصدقة شيء معيّن، وإنها لما قيل لها: أوصي، قالت: الوصيّة تعتمد على المال الموصى به، وليس لي ذلك، وإنما هو لسعد، فلما جاء سعد -صلى الله عليه وسلم- بعد موتها، وأُخبر بما قالت: أراد أن يتصدّق عنها، فسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فأمره به.
والحاصل أن دعوى التصحيف في رواية النسائيّ المذكورة غير صحيحة؛ للجمع بين الروايتين بما ذكر، فتبصّر، والله تعالى أعلم.
(أفَلَهَا أَجْز اِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟) قال القرطبيّ رحمه الله: الرواية الصحيحة بكسر الهمزة من "إِنْ " على الشرطيّة، ولا يصحّ قولُ مَن فتحها؛ لأنه إنما سأل عمّا لم يفعله. انتهى (١).
وفي الرواية الآتية في "الوصايا" من طريق يحيى القطّان، عن هشام: "فَلِي أَجْر أَنْ أَتَصَدقَ عنها؟ "، وفي رواية النسائيّ: "هل ينفعها أن أتصدّق عنها؟ "، ووقع في بعض الروايات بلفظ: "أتصدّق عليها، أو أصرفه على مصلحتها؟ " (قَالَ) -صلى الله عليه وسلم- "نَعَمْ") زاد في رواية النسائيّ: "فَتَصَدَّقَ عَنْهَا"، وفي رواية له: "فقال سعد: حائط كذا وكذا صدقة عنها، لحائط سمّاه"، وفي رواية ابن عبّاس -رضي الله عنهما- عنده: "قال: فإن لي مَخْرَفًا، فأُشهدك أني قد تصدّقت به عنها"، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.