للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كفرٌ بفعله وعمله لا بقوله واعتقاده، وقد يكون القتال الْمُشَارّةَ - يعني المخاصمة والمدافعة - كما قال في الحديث الآخر في المارّ بين يدي المصليّ: "فليُقاتله" (١)، وكلّه منهيّ عنه، وفاعله جاحد حقّ أخيه المسلم وحقَّ الله تعالى فيه. انتهى كلام القاضي (٢).

وقال في "الفتح": ولا متمسّك في هذا الحديث للخوارج الذين يُكفّرون بالمعاصي لأن ظاهره غير مراد؛ وإنما عبّر بلفظ الكفر لكون القتال أشدّ من السباب؛ لأنه يفضي إلى إزهاق الروح، ولم يُرد حقيقة الكفر التي هي الخروج عن الملّة، بل أطلق عليه الكفر مبالغةً في التحذير، مُعْتَمِدًا على ما تقرّر من القواعد أن مثل ذلك لا يُخرج عن الملّة، مثلُ حديث الشفاعة ومثل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} الآية [النساء: ٤٨].

أو أطلق عليه الكفر لشبهه به؛ لأن قتال المؤمن من شأن الكافر.

وقيل: المراد هنا الكفر اللغويّ وهو التغطية؛ لأن حقّ المسلم على المسلم أن يُعينه، ويَنصره، ويكُفّ عنه أذاه، فلما قاتله كان كأنه غطّى على هذا الحقّ.

وقيل: أراد بقوله "كفر" أي قد يؤول هذا الفعل بشؤمه إلى الكفر، وهذا بعيد وأبعد منه حمله على المستحلّ لذلك؛ لأنه يلزم منه أن لا يحصُل التفريق بين السِّبَاب والفسوق، فإن مستحلّ لعن المسلم بغير تأويل يكفر أيضًا.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: أولى ما قيل في معنى هذا الحديث أنه أطلق عليه الكفر مبالغة في التحذير من ذلك؛ ليَنْزجر السامع عن الإقدام عليه، أو أنه على سبيل التشبيه لأن ذلك من فعل الكفار (٣).


(١) حمل القاضي عياض حديث المار على المشارّة فيه نظر، إلا أن يريد أنه يبدأ بالأسهل فالأسهل، وإلا فالظاهر حمله على القتال المعروف، كما سيأتي تحقيقه في محله.
(٢) "إكمال المعلم" ١/ ٣٥٥ - ٣٥٦.
(٣) راجع: "الفتح" ١٤/ ٥٢١.