للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ويأتي هذا أيضًا في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا ترجعوا بعدي كُفّارًا يضرب بعضكم رقاب بعض"، كما سيأتي بيان الأقوال التي قيلت في تأويله، وهي عشرة أقوال، في الباب التالي - إن شاء الله تعالى -.

ونظير هذا قوله تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} بعد قوله: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ} الآية [البقرة: ٨٥]، فدلّ على أن بعض الأعمال يُطلق عليه الكفر تغليظًا.

وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه المصنّف: "لعن المسلم كقتله" فلا يُخالف هذا الحديث؛ لأن المشبّه به فوق المشبّه، والقدر الذي اشتركا فيه بلوغ الغاية في التأثير، هذا في الْعِرْض وهذا في النفس. أفاده في "الفتح" (١).

[تنبيه]: ورد لهذا الحديث سببٌ، أخرجه البغويّ والطبريّ، من طريق أبي خالد الوالبيّ، عن عمرو بن النعمان بن مُقَرِّن الْمُزَنيّ، قال: انتهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مجلس من مجالس الأنصار - ورجلٌ من الأنصار، كان عُرِف بالبذاء ومشاتمة الناس - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سباب المسلم فسوقٌ، وقتاله كُفرٌ"، زاد البغويّ في روايته: فقال ذلك الرجل: والله لا أُسابُّ رجلًا (٢).

(قَالَ زُبَيْدٌ) الياميّ (فَقُلْتُ لِأَبِي وَائِلٍ: أَنْتَ سَمِعْتَهُ مِنْ عَبْدِ اللهِ) بن مسعود - رضي الله عنه - (يَرْوِيهِ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟) جملة في محلّ نصب على الحال من المفعول (قَالَ) أبو وائل (نَعَمْ) أي سمعته منه، وإنما قال زُبيد هذا للتأكّد، وله سبب ذكره البخاريّ من طريق محمد بن عرعرة، عن شعبة، عن زبيد، قال: سألت أبا وائل عن المرجئة؟ فقال: حدّثني عبد الله أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "سباب المسلم فسوقٌ، وقتاله كفر".

قال في "الفتح": قوله: "سألت أبا وائل عن المرجئة": أي عن مقالة المرجئة، ولأبي داود الطيالسيّ، عن شعبة، عن زبيد، قال: لَمّا ظَهَرت المرجئة، أتيت أبا وائل، فذكرت ذلك له، فظهر من هذا أن سؤاله كان عن


(١) "فتح" ١/ ١٥٥ "كتاب الإيمان" حديث رقم (٤٨).
(٢) راجع: "الفتح" ١٣/ ٣٠ "كتاب الفتن" رقم (٧٠٧٥ - ٧٠٨٠).