له حتى تكون التمرة الواحدة من عِظَمِها مثل الجبل، كما قال تعالى:{وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}[البقرة: ١٠٥]، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في أقوال أهل العلم في آيات الصفات، وأحاديثها:
(اعلم): أنّ الحق الذي دَرَجَ عليه الصحابة -رضي الله عنهم-، والتابعون، ومن تبعهم بإحسان هو إثبات ما دلّت عليه آيات الصفات، وأحاديثها الصحيحة الثابتة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ظاهرها من غير تشبيه، ولا تمثيل، ولا تعطيل ولا تأويل، بل على ما يليق بجلاله، كما قال الله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[الشورى: ١١].
قال الإمام الترمذيّ -رحمه الله- في "جامعه" بعد أن أورد حديث الباب ما نصّه: وقد قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث، وما يشبه هذا من الروايات من الصفات، ونزول الربّ تبارك وتعالى، كلَّ ليلة إلى سماء الدنيا، قالوا: قد ثبتت الروايات في هذا، ويُؤمَن بها، ولا يُتَوَهَّم، ولا يقال: كيفَ. هكذا رُوي عن مالك بن أنس، وسفيان بن عيينة، وعبد الله بن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث: أَمِرُّوها بلا "كيف"، وهكذا قول أهل العلم من أهل السنّة والجماعة.
وأما الجهميّة، فأنكرت هذه الروايات، وقالوا: هذا تشبيه، وقد ذكر الله تبارك تعالى في غير موضع من كتابه اليد، والسمع، والبصر، فتأولت الجهميّة هذه الآيات، وفسّروها على غير ما فسّر به أهلُ العلم، وقالوا: إن الله لم يخلق آدم بيده، وقالوا: إنما معنى اليد القوّة.
وقال إسحاق بن إبراهيم: إنما يكون التشبيه؛ إذا قال: يدٌ كيدٍ، أو مثلُ يدٍ، أو سمع كسمع، أو مثل سمع، فإذا قال: سمعٌ كسمع، أو مثلُ سمعٍ، فهذا تشبيه، وأما إذا قال كما قال الله: يدٌ، وسمعٌ، وبصرٌ، ولا يقول: كيفَ، ولا يقول: مثلُ سمع، ولا كسمع، فهذا لا يكون تشبيهًا، وهو كما قال تبارك وتعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[الشورى: ١١] انتهى كلام الترمذيّ -رحمه الله- (١)، وهو كلام منوَّر، وبحثٌ محرَّر.