للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأخرج الإمام البيهقيّ -رحمه الله- في "السنن الكبرى" -بعد أن أخرج حديث: "ينزل ربنا -عز وجل- كل ليلة إلى سماء الدنيا … " الحديث- عن الوليد بن مسلم، أنه قال: سُئل الأوزاعيّ، ومالكٌ، وسفيان الثوريّ، والليث بن سعد، عن هذه الأحاديث التي جاءت في التشبيه؟ فقالوا: أَمِرُّوها كما جاءت بلا كيفيّة.

وأخرج أيضًا عن أبي داود الطيالسيّ، أنه قال: كان سفيان الثوري، وشعبة، وحماد بن زيد، وحماد بن سلمة، وشريك، وأبو عوانة لا يَحِدُّون، ولا يُشبّهون، ولا يمثّلون، يَرْوُون الحديث، ولا يقولون: كيفَ، وإذا سئلوا أجابوا بالأثر.

قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا محمد أحمد بن عبد الله المزنيّ، يقول: حديث النزول قد ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من وجوه صحيحة، وورد في التنزيل ما يصدّقه، وهو قوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (٢٢)} [الفجر: ٢٢]، والنزول، والمجيء صفتان منفيّتان عن الله تعالى من طريق الحركة، والانتقال من حال إلى حال، بل هما صفتان من صفات الله تعالى، بلا تشبيه، جلّ الله تعالى عمّا تقول المعطّلة لصفاته، والمشبّهة بها علوًّا كبيرًا. انتهى كلام البيهقيّ -رحمه الله- (١)، وهو كلام منقّح، وبحثٌ مصحَّح.

وقال الإمام المفسّر المحدّث البغويّ -رحمه الله-في "شرح السنّة" بعد أن أخرج حديث النار، وفيه: "حتى يضع ربّ العزّة قدمه"، وفي لفظ: "رجله"، ما نصّه: قلت: والقدم، والرجل المذكوران في هذا الحديث من صفات الله -عز وجل- المنزّه عن التكييف والتشبيه، وكذلك كلّ ما جاء من هذا القبيل في الكتاب والسنّة، كاليد، والإصبع، والعين، والمجيء، والإتيان، فالإيمان بها فرض، والامتناع عن الخوض فيها وأجب، فالمهتدي من سلك فيها طريق التسليم، والخائض فيها زائغٌ، والمنكر معطّلٌ، والمكيّفُ مشبِّهٌ، تعالى الله عمّا يقول الظالمون علوًا كبيرًا، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ١١]. انتهى كلام البغويّ -رحمه الله- (٢)، وهو بحثٌ نفيسٌ، وتحرير أنيسٌ.

وقال الحافظ الذهبيّ-رحمه الله- في كتابه العلوّ للعليّ الغفّار" بعد أن ذكر عدّة


(١) "السنن الكبرى" ٢، ٣/ ٣.
(٢) "شرح السنّة" ١٦/ ٢٥٧ - ٢٥٨.