للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

آيات من آيات الاستواء والعلوّ، ما نصّه: فإن أحببت يا عبد الله الإنصاف، فَقِفْ مع نصوص القرآن والسنّة، ثم انظر ما قاله الصحابة، والتابعون، وأئمّة التفسير في هذه الآيات، وما حكوه من مذاهب السلف … إلى أن قال: فإننا على اعتقادٍ صحيحٍ، وعقدٍ متينٍ من أن الله تعالى، تقدّس اسمه، لا مثل له، وأن إيماننا بما ثبت من نعوته كإيماننا بذاته المقدّسة؛ إذ الصفات تابعة للموصوف، فنعقل وجود الباري، ونميّز ذاته المقدّسة عن الأشباه، من غير أن نعقل الماهيّة، فكذلك القول في صفاته، نؤمن بها، ونتعقل وجودها، ونعلمها في الجملة من غير أن نتعقلها، أو نكيّفها، أو نمثّلها بصفات خلقه، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا. انتهى المقصود من كلام الحافظ الذهبيّ -رحمه الله- (١)، وهو بحث محرّر، وتحقيق محبّر.

وقال الحافظ -رحمه الله- في "الفتح": قال شهاب الدين السهرورديّ في كتاب العقيدة له: أخبر الله في كتابه، وثبت عن رسوله -صلى الله عليه وسلم- الاستواء، والنزول، والنفس، واليد، والعين، فلا يُتصرّف فيها بتشبيه، ولا تعطيل؛ إذ لولا إخبار الله، ورسوله ما تجاسر عقل أن يحوم حول ذلك الحمى.

قال الطيبيّ: هذا هو المذهب المعتمد، وبه يقول السلف الصالح.

وقال غيره: لم ينقل عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ولا عن أحد من أصحابه، من طريق صحيح التصريح بوجوب تأويل شيء من ذلك، ولا المنع من ذكره، ومن المحال أن يأمر الله نبيّه -صلى الله عليه وسلم- بتبليغ ما أُنزل إليه من ربّه، ويُنْزِل عليه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} الآية [المائدة: ٣]، ثم يترك هذا الباب، فلا يميّز ما يجوز نسبته إليه مما لا يجوز، مع حضّه على التبليغ عنه بقوله: "ليبلّغ الشاهد الغائب"، حتى نقلوا أقواله، وأفعاله، وأحواله، وصفاته، وما فُعل بحضرته، فدلّ على أنهم اتفقوا على الإيمان بها على الوجه الذي أراده الله منها، ووجب تنزيهه عن مشابهة المخلوقات بقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ١١]، فمن أوجب خلاف ذلك بعدهم، فقد خالف سبيلهم، وبالله تعالى التوفيق. انتهى ما ذكره الحافظ في "الفتح" (٢)، وهو كلام في غاية


(١) راجع: "تحفة الأحوذيّ" ٣/ ٣٣١.
(٢) "الفتح" ٤/ ٣٤٥.