ووبرها زمنًا ثم يَرُدّها، وقال القزاز: قيل: لا تكون المنيحة إلا ناقةً أو شاةً، والأول أعرف.
وقوله:"نعم المنيحة اللَّقْحَة الصَّفِيَ مِنْحَةً"، اللقحة: الناقةُ ذات اللبن القريبة العهد بالولادة، وهي مكسورة اللام، ويجوز فتحها، والمعروف أن اللقحة -بفتح اللام- المرة الواحدة من الْحَلْب، والصَّفِيّ بفتح الصاد، وكسر الفاء: أي: الكريمة الغزيرة اللبن، ويقال لها: الصفية أيضًا، كذا رواه يحيى بن بكير.
وذكر البخاريّ بعده أن عبد الله بن يوسف، وإسماعيل بن أبي أويس روياه بلفظ:"نعم الصدقة اللقحة الصفي منحةً"، وهذا هو المشهور عن مالك، وكذا رواه شعيب، عن أبي الزناد.
قال ابن التين: من روى "نعم الصدقة" روى أحدهما بالمعنى؛ لأن المنحة العطية، والصدقة أيضًا عطية.
فتعقّبه الحافظ بان لا تلازم بينهما، فكل صدقة عطية، وليس كل عطية صدقة، وإطلاق الصدقة على المنحة مجاز، ولو كانت المنحة صدقةً لَمَا حَلَّت للنبيّ -صلى الله عليه وسلم-، بل هي من جنس الهبة والهدية.
وقوله:"منحةً" منصوب على التمييز، قال ابن مالك: فيه وقوع التمييز بعد فاعل "نِعْمَ" ظاهرًا، وقد منعه سيبويه إلا مع الإضمار، مثل:{بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا}[الكهف: ٥٠] وجوَّزه المبرد، وهو الصحيح.
وقال أبو البقاء:"اللقحة" هي المخصوصة بالمدح، و"منحةً" منصوب على التمييز توكيدًا، وهو كقول الشاعر:
فَنِعْمَ الزَّادُ زَادُ أَبِيكَ زَادَا
وقوله:"تغدو بإناء، وتروح بإناء"؛ أي: من اللبن؛ أي: تُحْلَب إناءً بالغداة، وإناءً بالعشيّ. انتهى (١)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.