للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الواحدة بَنَانَةٌ. قيل: سمّيت بَنَانًا؛ لأنّ بها صلاحَ الأحوال التي يستقرّ بها الإنسان؛ لأنه يقال: أَبَنَّ بالمكان: إذا استقرّ به. انتهى.

(وَتَعْفُوَ أثَرَهُ) أي: تمحوَ أثر مشيه بسبوغها، وكمالها، يقال: عفا المنزلُ عَفْوًا، وعَفَاءً -بالفتح، والمدّ-: دَرَسَ، وعَفَتْهُ الريحُ، يُستعمل لازمًا، ومتعدّيًا، ومنه: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ} [التوبة: ٤٣]؛ أي: محا ذنوبك، وعفوتُ الحقّ: أسقطته، كأنّك محوته عن الذي هو عليه، وعافاه الله: محا عنه الأسقام، قاله الفيّوميّ.

والمناسب هنا المتعدّي، ولذا نَصَبَ "أثرَهَ". والمعنى: أن الصدقة تستر خطاياه، كما يغطّي الثوبُ الذي يُجَرُّ على الأرض أثرَ صاحبه؛ إذا مشى بمرور الذيل عليه، قاله في "الفتح".

(قَالَ) الراوي، وهو الأعرج، أو طاوس (فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ) -رضي الله عنه- (فَقَالَ) أي: أخذ -صلى الله عليه وسلم-، ففيه إطلاق القول على الفعل، وقد تقدّم غير مرّة (يُوَسِّعُهَا) أي: الْجُنّةَ (فَلَا) وفي نسخة بالواو (تَتَّسِعُ) وفي الرواية التالية: "قال: فأنا رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول بإصبَعه في جيبه، فلو رأيته يوسّعها، ولا تتّسع"، ووقع عند أحمد من طريق ابن إسحاق، عن أبي الزناد في الحديث: "وأما البخيل، فإنها لا تزداد عليه إلا استحكامًا".

وحاصل المعنى: أنه يحاول في توسيعها، ولكنّها لا تقبل التوسيع؛ لاستحكام تقلّصها، وثبوتها في مكانها.

قال التوربشتيّ -رحمه الله-: معنى الحديث أنّ الجواد الموفّق إذا همّ بالصدقة اتّسع لذلك صدره، وطاوعته نفسه، وانبسطت بالبذل والعطاء يداه، كالذي لبس درعًا، فاسترسلت عليه، وأخرج منها يديه، فانبسطت حتى خلصت إلى ظهور قدميه، فأجنّته، وحصنته، وأنّ البخيل إذا أراد الإنفاق حَرِجَ به صدره، واشمأزّت عنه نفسه، وانقبضت عنه يداه، كالذي أراد أن يستجنّ بالدرع، وقد غُلّت يداه إلى عنقه، فحال ما ابتُلي به بينه وبين ما يبتغيه، فلا يزيده لبسها إلا ثقلًا، ووبالًا، والتزامًا في العنق، والتواءً، وأَخْذًا بالترقوة. انتهى.