الثوريّ، والحسن بن صالح، وأبي يوسف، وابن المنذر، وللشافعيّ قولان كالروايتين. انتهى.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: القول الأول من قولي الإمام أحمد -رحمه الله- هو الأرجح عندي؛ لظهور أدلته التي تقدمت آنفًا.
والحاصل أن من دفع زكاته إلى غنيّ، أو نحوه ممن لا يستحقّها، ظانًّا أنه مستحقّها، ثم ظهر بخلافه، سقطت عنه، ولا يلزمه إعادتها، ولكن لو أعادها، كما أعاد الرجل المذكور في حديث الباب، كان حسنًا، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في بيان مسألة مهمّة تُستفاد من حديث الباب، وهي مسألة "هل شَرْعُ مَن قبلنا شرع لنا، أم لا؟ "، وقد اختلف أهل العلم في ذلك، والحقّ- وهو الذي عليه الجمهور، ومنهم الإمام البخاريّ، والمصنّف، والنسائيّ حيث استدلوا بحديث الباب على حكم المسألة- أنه شرع لنا بشرط أن يُنصّ عليه في شرعنا، وأن لا يأتي في شرعنا ما يخالفه.
وقد ذكر العلامة الزركشيّ -رحمه الله- في كتابه "البحر المحيط" في أصول الفقه، الخلاف في ذلك، وهاك ملخّصه:
قال -رحمه الله- ما مختصره-: هل تُعُبّد النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بعد النبوّة بشرع من قبله، أم كان منهيًّا عنه؟ فيه أربعة مذاهب:
(الأول): أنه لم يكن متعبَّدًا، بل كان منهيًّا عنها، وعليه أكثر المتكلّمين، وجماعة من الشافعيّة، والحنفيّة، واختاره الغزاليّ، وصححه ابن السمعانيّ، والنوويّ، وابن حزم، وغيرهم.
(الثاني): أنه كان مُتعبّدًا باتباعها، إلا ما نُسخ منها، ونقله ابن السمعانيّ عن أكثر الشافعتة، والحنفيّة، وطائفة من المتكلّمين. وقال ابن القشيريّ: هو الذي صار إليه الفقهاء. وقال سُليم: إنه قول أكثر أصحابنا -الشافعيّة-، واختاره الشيخ أبو إسحاق أوّلًا في "التبصرة"، واختاره ابن بَرْهان، وقال: إنه قول أصحابنا، وحكاه الأستاذ أبو منصور عن محمد بن الحسن، قال: ولذلك استدلّ بقصّة صالح النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وقومه في شِرْب الناقة على إجازة المهايأة، وقال الخفّاف في "شرح الخصال": شرائع من قبلنا واجبة علينا إلا في