للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الشرعية، وهي أن يكون على مسافة القصر، أو المراد أن يكون فوق مسافة الْعَدْوَى، أو المراد مطلق الغيبة عن البلد، ولو قَلَّت المسافةُ، وقَصُرَت مدّتها؟ مقتضى إطلاق الحديث ترجيح هذا الاحتمال الثالث، لكن لو ظنت قدومه في بقية اليوم بسبب من الأسباب، فينبغي تحريم صوم ذلك اليوم، وهذا لا يختص بهذا الاحتمال، بل يجري على الاحتمالات كلها، فمتى ظنت قدومه في يوم حَرُم عليها صومه، ولو بعدت بلد الغيبة، وطالت مدتها، وَيحْتَمِل أن لا يحرم استصحابًا للغيبة، والأصل استمرارها. انتهى (١).

وقال النوويّ -رحمه الله-: وسبب هذا التحريم أن للزوج حقّ الاستمتاع بها في كل وقت، وحقه واجب على الفور، فلا يفوته بالتطوع، ولا واجب على التراخي.

[فإن قيل]: فينبغي أن يجوز لها الصوم بغير إذنه، فإن أراد الاستمتاع بها كان له ذلك، وُيفسد صومها.

[فالجواب]: أن صومها يمنعه من الاستمتاع بها في العادة؛ لأن المسلم يهاب انتهاك الصوم بالإفساد. انتهى (٢).

قال في "الفتح": لو كان مسافرًا فمفهوم الحديث في تقييده بالشاهد، يقتضي جواز التطوع لها؛ إذا كان زوجها مسافرًا، فلو صامت، وقَدِمَ في أثناء الصيام، فله إفساد صومها ذلك من غير كراهة، وفي معنى الْغَيْبة أن يكون مريضًا، بحيث لا يستطيع الجماع، وحَمَل المهلب النهي المذكور على التنزيه، فقال: هو من حسن المعاشرة، ولها أن تفعل من غير الفرائض بغير إذنه ما لا يضرّه، ولا يمنعه من واجباته، وليس له أن يبطل شيئًا من طاعة الله؛ إذا دخلت فيه بغير إذنه. انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي قاله المهلّب مما لا يُلتفت إليه؛ لمصادمته ظاهر النصّ، وهو مخالفٌ لقول أكثر العلماء من أن النهي هنا للتحريم، كما سبق بيانه في كلام النوويّ -رحمه الله-، فتبصّر، والله تعالى أعلم.

(إِلَّا بإِذْنِهِ) وهل المراد إذنه صريحًا، أو يكفي ما يقوم مقامه، من


(١) "طرح التثريب" ٤/ ١٤١.
(٢) "شرح النوويّ" ٧/ ١١٥.