للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصّلَاةِ) المراد تطوّعاتها؛ أي من كان الغالب من أعماله الصلاة النافلة، وهكذا في الجهاد، وما بعده.

وقال القرطبيّ -رحمه الله-: أي من كان من المكثرين لصلاة التطوّع، وكذلك غيرها من أعمال البرّ المذكورة في هذا الحديث؛ لأن الواجبات لا بدّ منها لجميع المسلمين، ومن ترك شيئًا من الواجبات إنما يُخاف عليه أن ينادى من أبواب جهنّم، فيستوي في القيام بها المسلمون كلُّهم، وإنما يتفاضلون بكثرة التطوّعات التي بها تحصل تلك الأهليّة التي بها يُنادَون من تلك الأبواب، ولَمّا فَهِمَ أبو بكر -رضي الله عنه- هذا المعنى قال: "فهل يُدعَى أحدٌ من تلك الأبواب؟ "؛ أي هل يحصُل لأحد من أهل الإكثار من تطوّعات البرّ المختلفة ما يتأهّل به لأن يدعوه خزنةُ الجنّة من كلّ باب من أبوابها؟ فقال له النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "نعم، وأرجو أن تكون منهم"، فإنه -رضي الله عنه- كان قد جمع خصال تلك الأبواب كلّها، ألا ترى أنه قال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الآتي بعد هذا: "هل فيكم من أطعم اليوم مسكينًا؟ " قال أبو بكر: أنا، قال: "هل فيكم من عاد مريضًا؟ " فقال أبو بكر: أنا. انتهى كلام القرطبيّ -رحمه الله- (١)، وهو تحقيق مفيدٌ.

(دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ) أي من كان يغلب على عمله الجهاد (دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ) أي من كان يغلب على عمله الصدقة (دُعِيَ مِنْ بَاب الصَّدَقَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ) أي من كان الغالب على عمله الصيام (دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ") قال النوويّ -رحمه الله-: قال العلماء: سُمّي باب الريّان؛ تنبيهًا على أن العطشان بالصوم في الهواجر سَيَرْوَى، وعاقبته إليه، وهو مشتقّ من الريّ (٢).

وقال القرطبيّ -رحمه الله-: الرَّيّان فَعْلانُ من الريّ على جهة المبالغة، سُمّي بذلك على جهة مقابلة العطشان؛ لأنه جُوزي على عطشه بالريّ الدائم في الجنّة التي يدخل إليها من ذلك الباب. انتهى (٣).

وقال في "العمدة": وزن رَيّان فَعْلانُ، وقد وقعت المناسبة فيه بين لفظه


(١) "المفهم" ٣/ ٧١ - ٧٢.
(٢) "شرح النوويّ" ٧/ ١١٦ - ١١٧.
(٣) "المفهم "٧١/ ٣.