للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المذكور، لا لتلفّظه بتلك الكلمة، فلو قال جابرٌ: أنا جابرٌ، لم ينكر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عليه ذلك.

قال الجامع عفا الله عنه: ومما يؤيّد ذلك ما وقع في قصّة أم هانئ بنت أبي طالب -رضي الله عنها-، في "الصحيحين" قالت: ذهبت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام الفتح، فوجدته يغتسل، وفاطمة ابنته تستره، فسلمت عليه، فقال: "من هذه؟ " فقلت: أنا أم هانئ بنت أبي طالب، فقال: "مرحبا بأم هانئ … "، الحديث، فقد أقرّها -صلى الله عليه وسلم- على قولها: أنا حيث أزالت الإبهام بذكر أم هانئ بنت أبي طالب معه، فدلّ على أن إنكاره -صلى الله عليه وسلم- على جابر -رضي الله عنه-؛ لما مرّ آنفًا، فزال الإشكال، ولله الحمد.

والحاصل أن قول الإنسان: أنا، من حيث هو ليس بمذموم، وإنما هو يُذَمّ باعتبار إخباره بما يُفتَخَر به، كقول إبليس: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} [الأعراف: ١٢]، ونحو ذلك من نحو: أنا العالم، وأنا الزاهد، وأنا العابد، بخلاف: أنا الفقير الحقير العبد المذنب، وأمثال ذلك، فتبصّر (١)، والله تعالى أعلم.

(قَالَ) -صلى الله عليه وسلم- ("فَمَنْ تَبعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟ " قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه-: أَنَا، قَالَ: "فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟ " قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه-: أَنَا، قَالَ: "فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟ " قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه-: أَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ) أي ما اجتمعت هذه الخصال الأربعة المذكورة على الترتيب المذكور في يوم واحد، قال القاري: كذا قال ابن الملك، وكأن الترتيب أخذه من الفاء التعقيبية، وهو غير لازم؛ إذ يمكن حمل التعقيب على السؤال، كما ذكروا في "ثُمّ" أنه قد يكون للتراخي في السؤال، أو التقدير: إذا ذكرتم هذا فمن فعل هذا.

والحاصل أن هذه الخصال ما وُجِدت وحَصَلت في يوم واحد في امرئ (إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ") أي بلا محاسبة، وإلا فمجرد الإيمان يكفي لمطلق الدخول، أو معناه: دخل الجنة من أيّ باب شاء، كما تقدم في الحديث الماضي، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.


(١) راجع: "المرقاة" ٤/ ٣٤٣.