للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المراد ظل العرش، وروى الترمذي وحسّنه، من حديث أبي سعيد، مرفوعًا: "أحب الناس إلى الله يوم القيامة، وأقربهم منه مجلسًا، إمام عادل".

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن مما ذُكر أن الصحيح كون المراد بقوله: "إلا ظلّه" ظل العرش؛ لأن خير ما فُسّر به الوارد هو الوارد، كما أشار إليه السيوطيّ في "ألفية الحديث" بقوله:

وَخَيْرُهُ مَا جَاءَ مِنْ طَرِيقٍ أوْ … عَنِ الصَحَابِيِّ وَرَاوٍ قَدْ حَكَوْا

الأول: (الْإمَامُ الْعَادِلُ) وهو اسم فاعل من العدل، وذكر ابن عبد البرّ، أن بعض الرواة عن مالك، رواه بلفظ: "العدل"، قال: وهو أبلغ؛ لأنه جعل المسمى نفسه عدلًا، والمراد به صاحب الولاية العظمى، وَيلتحق به كل من وَليَ شيئًا من أمور المسلمين، فعدل فيه، ويؤيده رواية مسلم، من حديث عبد الله بن عمرو، رفعه: "إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن، الذين يعدلون في حكمهم، وأهليهم، وما وَلُوا"، وأحسن ما فُسّر به العادل: أنه الذي يَتَّبع أمر الله بوضع كل شيء في موضعه، من غير إفراط، ولا تفريط، وقدّمه في الذكر؛ لعموم النفع به.

(وَ) الثاني (شَابٌّ) خَصَّ الشاب؛ لكونه مظنة غلبة الشهوة؛ لما فيه من قوة الباعث على متابعة الهوى، فإن ملازمة العبادة، مع ذلك أشدُّ، وأدل على غلبة التقوى (نَشَأَ) أي نبت، وابتدأ؛ أي لم يكن له صبوة، وهو الذي قال فيه في الحديث الآخر: "يَعْجَبُ ربّك من صبيّ، ليست له صَبْوة" (١)، رواه أحمد، وإنما كان ذلك لغلبة التقوى التي بسببها ارتفعت الصبوة (٢). (بعِبَادَةِ اللهِ) عز وجل، ولفظ البخاريّ: "في عبادة ربه"، زاد حماد بن زيد، عن عبيد الله بن عمر: "حتى تُوُفّي على ذلك"، أخرجه الجوزقي، وفي حديث سلمان -رضي الله عنه-: "أفنى شبابه، ونشاطه في عبادة الله".

وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: "وشابّ نشأ بعبادة الله" كذا الرواية بالباء، وهذه الباء هي باء المصاحبة، كما تقول: جاء زيد بسلاحه؛ أي مصاحبًا له،


(١) رواه أحمد في "مسنده" ٤/ ١٥١ وفي إسناده ابن لهيعة، وهو ضعيف.
(٢) "المفهم" ٣/ ٧٥.