للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ويَحْتَمِل أن يكون المعنى: اتّبعوه، واعملوا بما فيه، مِن تلا الرجلَ يتلوه تُلُوًّا، على فُعُول: إذا تبعه (١). (وَلَا يَطُولَنَّ عَلَيْكُمُ الْأَمَدُ) بفتحتين: أي الزمن (فَتَقْسُوَ قُلُوبُكُمْ) بنصب "تقسوَ" بـ "أن" مضمرة بعد الفاء السببيّة الواقعة في جواب النهي، كما قال في "الخلاصة":

وَبَعْدَ فَا جَوَابِ نَفْيٍ أَوْ طَلَبْ … مَحْضَيْنِ "أَنْ" وَسَتْرُهُ حَتْمٌ نَصَبْ

قال القرطبيّ رحمهُ اللهُ: يعني به: لا تستطيبوا مُدّة البقاء في الدنيا؛ فإن ذلك مُفسد للقلوب بما يجرّه إليها من الحرص والقسوة حتى لا تلين لذكر الله، ولا تنتفع بموعظة، ولا زجر. انتهى (٢).

(كَمَا قَسَتْ قُلُوبُ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ) من الأمم السابقة: اليهود والنصارى، وهذا إشارة إلى قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} الآية [الحديد: ١٦].

قال الإمام ابن كثير رحمهُ اللهُ في "تفسيره": يقول تعالى: أما آن للمؤمنين أن تخشع قلوبهم لذكر الله؛ أي تلين عند الذكر والموعظة وسماع القرآن فتفهمه، وتنقاد له، وتسمع له وتطيعه.

أخرج مسلم في "صحيحه" من طريق عون بن عبد الله، عن أبيه، عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: كان ما كان بين إسلامنا، وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} الآية إلا أربع سنين.

وقال سفيان الثوريّ، عن المسعوديّ، عن القاسم، قال: مَلّ أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقالوا: حدّثنا يا رسول الله، فأنزل الله تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف: ٣] قال: ثم مَلّوا مَلّةً، فقالوا: حدّثنا يا رسول الله، فأنزل الله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ}، الآية [الزمر: ٢٣]، ثم مَلُّوا ملة، فقالوا: حدّثنا يا رسول الله، فأنزل الله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} (٣).


(١) راجع: "المصباح المنير" ١/ ٧٦.
(٢) "المفهم" ٣/ ٩٣.
(٣) صححه الشيخ الألباني رحمهُ اللهُ من حديث سعد بن أبي وقّاص -رضي الله عنه- في "صحيح موارد الظمآن" (١٤٦٢).