وقال قتادة:{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} ذُكِر لنا أن شداد بن أوس كان يروي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:"إن أول ما يُرفع من الناس الخشوع"(١).
وقوله تعالى:{وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} نَهَى الله تعالى المؤمنين أن يتشبهوا بالذين حُمِّلوا الكتاب من قبلهم، من اليهود والنصارى، لَمّا تطاول عليهم الأمد بدَّلوا كتاب الله الذي بأيديهم، واشتروا به ثمنًا قليلًا، ونبذوه وراء ظهورهم، وأقبلوا على الآراء المختلفة، والأقوال المؤتفكة، وقلّدوا الرجال في دين الله، واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله، فعند ذلك قست قلوبهم، فلا يقبلون موعظة، ولا تلين قلوبهم بوعد ولا وعيد {وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}[الحديد: ١٦] أي في الأعمال فقلوبهم فاسدة، وأعمالهم باطلة، كما قال تعالى:{فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} الآية [المائدة: ١٣] أي فسدت قلوبهم، فقست وصار من سجيتهم تحريف الكلم عن مواضعه، وتركوا الأعمال التي امروا بها، وارتكبوا ما نُهوا عنه، ولهذا نهى الله المؤمنين أن يتشبهوا بهم في شيء من الأمور الأصلية والفرعية.
وأخرج ابن أبي حاتم بسند حسن عن الربيع بن عَمِيلة الفزاريّ، قال: حدّثنا عبد الله بن مسعود حديثًا ما سمعت أعجب إلي منه إلا شيئًا من كتاب الله، أو شيئًا مما قاله النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد، فقست قلوبهم، اختَرَعوا كتابًا من عند أنفسهم، استهوته قلوبهم، واستحلته ألسنتهم، واستلذّته، وكان الحقّ يحول بينهم وبين كثير من شهواتهم، فقالوا: تعالوا ندعو بني إسرائيل إلى كتابنا هذا، فمن تابعنا عليه تركناه، ومن كَرِه أن يتابعنا قتلناه، ففعلوا ذلك، وكان فيهم رجل فقيه، فلما رأى ما يصنعون عَمَدَ ما يَعْرِف من كتاب الله، فكتبه في شيء لطيف، ثم أدرجه، فجعله في
(١) صححه الشيخ الألباني رحمهُ اللهُ من حديث أبي الدرداء وشداد بن أوس -رضي الله عنهما- في "صحيح الترغيب والترهيب" (٥٤٢ - ٥٤٣).