للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قرن، ثم عَلَّق ذلك القرن في عنقه، فلما أكثروا القتل قال بعضهم لبعض: يا هؤلاء إنكم قد أفشيتم القتل في بني إسرائيل، فادعوا فلانًا، فاعرضوا عليه كتابكم، فإنه إن تابعكم فسيتابعكم بقية الناس، وإن أبى فاقتلوه، فدَعَوا فلانًا ذلك الفقيه، فقالوا: أتؤمن بما في كتابنا هذا؟ قال؟ وما فيه؟ اعرضوه عليّ، فعرضوه عليه إلى آخره، ثم قالوا: أتؤمن بهذا؟ قال: نعم آمنت بما في هذا، وأشار بيده إلى القرن، فتركوه، فلما مات فتَّشُوه، فوجدوه معلقًا ذلك القرن، فوجدوا فيه ما يُعْرَف من كتاب الله، فقال بعضهم لبعض: يا هؤلاء ما كنا نسمع هذا أصابته فتنة، فافترقت بنو إسرائيل على اثنتين وسبعين ملة، وخير مللهم ملة أصحاب ذي القرن قال ابن مسعود: هانكم أوشك بكم إن بَقِيتم، أو بقي من بقي منكم أن تروا أمورًا تنكرونها، لا تستطيعون لها غِيَرًا، فبحسب المرء منكم أن يعلم الله من قلبه أنه لها كاره (١).

وقوله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٧)} [الحديد: ١٧] فيه إشارة إلى أن الله تعالى يُلِين القلوب بعد قسوتها، ويَهْدي الْحَيَارى بعد ضِلّتها، ويُفَرّج الكروب بعد شدتها، فكما يحيي الأرض الميتة المجدبة الهامدة بالغيث الْهَتّان الوابل، كذلك يَهدي القلوب القاسية ببراهين القرآن والدلائل، ويولج إليها النور بعد أن كانت مُقْفَلة، لا يصل إليها الواصل، فسبحان الهادي لمن يشاء بعد الضلال، والمضِلّ لمن أراد بعد الكمال، الذي هو لما يشاء فعّال، وهو الحكيم العدل في جميع الفِعَال، اللطيف الخبير الكبير المتعال. انتهى (٢).

(وَاِنَّا كُنَّا نَقْرَأُ سُورَةً كُنَّا نُشَبِّهُهَا فِي الطُّولِ وَالشِّدَّةِ بِبَرَاءَةَ) وفي رواية أبي نعيم المذكورة: "لقد أنزلت سورة كنّا نشبّهها ببراءة طولًا وتشديدًا، فنسيتها، غير أني قد حفظت منها آية فيها: لو كان لابن آدم … ".


(١) صححه الشيخ الألبانيّ رحمهُ اللهُ في "السلسلة الصحيحة" برقم (٢٦٩٤) وقال: في حكم المرفوع.
(٢) "تفسير ابن كثير" ٤/ ٣١١ - ٣١٢.