للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَأُنْسِيتُهَا) بالبناء للمفعول، قال القرطبيّ رحمهُ اللهُ: هذا ضرب من النسخ، فإن النسخ على ما نقله علماؤنا على ثلاثة أضرُب:

أحدها: نسخ الحكم، وبقاء التلاوة.

والثاني: عكسه، وهو نسخ التلاوة، وبقاء الحكم.

والثالث: نسخ الحكم والتلاوة، وهو كرفع هاتين السورتين اللتين ذكرهما أبو موسى -رضي الله عنه-، فإنهما رُفع حكمهما وتلاوتهما، وهذا النحو من النسخ هو الذي ذكره الله تعالى حيث قال: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} الآية [البقرة: ١٠٦] على قراءة من قرأ بضمّ النون، وكسر السين، وكذلك قوله تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (٦) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} [الأعلى: ٦ - ٧]، وهاتان السورتان مما قد شاء الله تعالى أن يُنسيه بعد أن أنزله، وهذا لأن الله تعالى فعّالٌ لما يريد، قادرٌ على ما يشاء؛ إذ كلّ ذلك ممكنٌ، ولا يَتَوهّم متوهّمٌ من هذا وشبهه أن القرآن ضاع منه شيءٌ، فإن ذلك باطلٌ بدليل قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)} [الحجر: ٩]، وبأن إجماع الصحابة ومن بعدهم انعقد على أن القرآن الذي تُعُبِّدنا بتلاوته، وبأحكامه هو ما ثبت بين دَفّتي المصحف، من غير قلادة ولا نقصان. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: جعله هاتين السورتين مما نسخ حكمًا وتلاوةً لا يخفى ما فيه، فتأمله بالإمعان، والله تعالى أعلم.

(غَيْرَ أَنِّي قَدْ حَفِظْتُ مِنْهَا: "لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ، لَابْتَغَى وَادِيًا ثَالِثًا، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ"، وَكُنَّا نَقْرَأُ سُورَةً، كنَّا نُشَبِّهُهَا بِإِحْدَى الْمُسَبِّحَاتِ) بصيغة الفاعل؛ أي السور التي في أولها لفظ التسبيح، كـ {سَبَّحَ لِلَّهِ}، و {يُسَبِّحُ لِلَّهِ}، و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ}.

وفي رواية أبي نعيم: "وأنزلت سورة كنّا نشبّهها بالمسبِّحات، أولها "سبّح لله"، فنسيتها … ".


(١) "المفهم" ٣/ ٩٣ - ٩٤.