الممدوح، هو غِنَى النفس، وبيانه: أنه إذا استغنت نفسه كَفَّت عن المطامع، فَعَزَّت، وعَظُمت، وحصل لها من الحظوة والنزاهة والشرف والمدح أكثر من الغنى الذي يناله مَن يكون فقير النفس؛ لحرصه، فإنه يُوَرّطه في رذائل الأمور، وخسائس الأفعال؛ لدناءة همته، وبخله، ويكثر من يذمّه من الناس، ويَصْغُر قدره عندهم، فيكون أحقر من كل حقير، وأذل من كل ذليل.
والحاصل أن المتصف بغنى النفس يكون قانعًا بما رزقه الله، لا يحرص على الازدياد لغير حاجة، ولا يُلِحّ في الطلب، ولا يُلْحِف في السؤال، بل يرضى بما قَسم الله له، فكأنه واجد أبدًا، والمتصف بفقر النفس على الضدّ منه؛ لكونه لا يقنع بما أُعطِي، بل هو أبدًا في طلب الازدياد، من أيّ وجه أمكنه، ثم إذا فاته المطلوب حَزِن وأَسِف، فكأنه فقير من المال؛ لأنه لم يستغن بما أُعطِي، فكأنه ليس بغنيّ.
ثم غِنَى النفس إنما ينشأ عن الرضا بقضاء الله تعالى، والتسليم لأمره؛ علمًا بأن الذي عند الله خير وأبقى، فهو مُعْرِض عن الْحِرْص والطلب وما أحسن قول القائل [من الطويل]:
أي ينبغي أن يُنفق أوقاته في الغنى الحقيقي، وهو تحصيل الكمالات، لا في جمع المال، فإنه لا يزداد بذلك إلا فقرًا. انتهى.
وهذا وإن كان يمكن أن يراد، لكن الذي تقدَّم أظهر في المراد، وإنما يحصل غنى النفس بغنى القلب، بأن يفتقر إلى ربه في جميع أموره، فيتحقق أنه المعطي المانع، فيرضى بقضائه، ويشكره على نعمائه، ويَفْزَع إليه في كشف ضَرَّائه، فينشأ عن افتقار القلب لربه غنى نفسه عن غير ربه تعالى، والغنى الوارد في قوله: {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (٨)} [الضحى: ٨] يتنزل على غنى النفس، فإن الآية مكية، ولا يَخْفَى ما كان فيه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قبل أن تُفْتَح عليه خيبر وغيرها، من قلة