للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يَستجلِب الخيرُ الشرَّ؟ وجوابه -صلى الله عليه وسلم- بـ"لا يأتي الخير بالشرّ" معناه: لا يأتي الخير بالشرّ، ولكن قد يكون سببًا له، ومؤدّيًا إليه، فإن الربيع قد يُنبت أحرار العُشب والكلأ فهي كلّها خير في نفسها، وإنما يأتي الشرّ من قِبَل الآكل، فمن آكلٍ مستلذّ مفرطٍ منهمك فيها بحيث تنتفخ فيه أضلاعه، وتمتلئ خاصرتاه، ولا يُقلع عنه، فيُهلكه سريعًا، ومن آكلٍ كذا فيُشرفه إلى الهلاك، ومن آكلٍ مسرف حتى تنتفخ خاصرتاه، لكنه يتوخّى إزالة ذلك، ويتحيّل في دفع مضرّتها حتى ينهضم ما أكل، ومن آكلٍ غير مفرط، ولا مسرف، يأكل منها ما يسُدّ جَوْعته، ولا يُسرف فيه حتى يحتاج إلى دفعه.

الأول مثال الكافر، والثاني مثال المؤمن الظالم لنفسه المنهمك في المعاصي، والثالث مثال المقتصد، والرابع مثال السابق الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة. انتهى كلام الطيبيّ رحمهُ اللهُ، وهو بحث نفيسٌ، والله تعالى أعلم.

(فَصَمَتَ) أي سكت، يقال: صَمَتَ صَمْتًا، من باب نصر: إذا سكت، وصُمُوتًا، وصُمَاتًا، فهو صامت، وأصمته غيره، وربّما استُعمل الرباعيّ لازمًا أيضًا (١). (رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-) بالرفع على الفاعليّة (سَاعَةً) أي قدرًا قليلًا من الزمن، وإنما سكت -صلى الله عليه وسلم- منتظرًا للوحي، كما يدلّ عليه قوله في الرواية الثالثة: "ورُئينا أنه يُنزَل عليه، فأفاق يمسح الرُّحَضَاء" (ثُمَّ قَالَ) -صلى الله عليه وسلم- مستثبتًا لما قاله الرجل ("كَيْفَ قُلْتَ؟ " قَالَ) الرجل (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ الْخَيْرَ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ) وفي رواية مالك التالية: "قال: لا يأتي الخير إلا بالخير"، وكرّره ثلاث مرّات.

قال في "الفتح": ويؤخذ منه أن الرزق ولو كَثُر فهو من جملة الخير، وإنما يَعرِض له الشرّ بعارض البخل به عمن يستحقّه، والإسراف في إنفاقه فيما لم يُشْرَع، وأن كلّ شيء قَضَى الله أن يكون خيرًا، فلا يكون شرًّا، وبالعكس، ولكن يُخْشَى على من رُزِق الخير أن يَعرِض له في تصرّفه فيه ما يجلب له الشرّ. انتهى.


(١) راجع: "المصباح المنير" ١/ ٣٤٦ - ٣٤٧.