للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

العجاب، قال بعض المحققين معلقًا على قوله: "ينسبها إلى الله تعالى" ما نصّه: هذا خطأٌ، وقول على الله بغير علم، فلا يجوز لمسلم أن يتعاطى ذلك، بل عليه أن يقول إذا سئل عما لا يعلم: الله أعلم، كما فعل الصحابة - رضي الله عنهم -. انتهى، وهو تعقّب جيّد، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في المعنى المراد بالكفر في هذا الحديث:

قال النوويّ رحمه الله تعالى: اختلف العلماء في كفر من قال: مُطِرنا بنوء كذا على قولين:

[أحدهما]: هو كفر بالله سبحانه وتعالى، سالب لأصل الإيمان، مُخْرِج من ملة الإسلام، قالوا: وهذا فيمن قال ذلك مُعتقدًا أن الكوكب فاعلٌ مُدَبِّرٌ مُنشئٌ للمطر، كما كان بعض أهل الجاهلية يَزْعُم ذلك، ومن اعتقد هذا فلا شكّ في كفره، وهذا القول هو الذي ذهب إليه جماهير العلماء والشافعيّ منهم، وهو ظاهر الحديث، قالوا: وعلى هذا لو قال: مُطِرنا بنوء كذا، مُعْتقدًا أنه من الله تعالى وبرحمته، وأن النَّوْء ميقاتٌ وله علاقةٌ اعتبارًا بالعادة، فكأنه قال: مُطِرنا في وقت كذا، فهذا لا يَكفُر، واختلفوا في كراهته، والأظهر كراهته، لكنها كراهة تنزيه لا إثم فيها، وسبب الكراهة أنها كلمة مترددة بين الكفر وغيره، فيُسَاءُ الظنُّ بصاحبها، ولأنها شِعَار الجاهلية ومن سلك مسلكهم.

[والقول الثاني]: في أصل تأويل الحديث أن المراد كفر نعمة الله تعالى؛ لاقتصاره على إضافة الغيث إلى الكوكب، وهذا فيمن لا يَعتقد تدبير الكوكب، ويؤيد هذا التأويل الرواية الأخيرة في الباب: "أصبح من الناس شاكرٌ وكافر … "، وفي الرواية الأخرى: "ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح فريق منهم بها كافرين"، وفي الرواية الأخرى: "ما أنزل الله تعالى من السماء من بركة، إلا أصبح فريق من الناس بها كافرين"، فقوله: "بها" يدل على أنه كفر بالنعمة، والله أعلم. انتهى كلام النوويّ (١).

وقال في "الفتح": قوله: "مؤمن بي وكافر" يحتمل أن يكون المراد بالكفر


(١) "شرح مسلم" ٢/ ٦٠ - ٦١.