سمعتموني أحدِّث في غير ذلك"، ويستفاد من هذه الرواية معرفة الوقت الذي حدّث فيه عليّ بذلك، والسبب أيضًا.
(فَإِنَّ الْحَرْبَ خَدْعَةٌ) في رواية يحيى بن عيسى: "فإنما الحرب خدعة"، ومعناه: أجتهد رأيي، وقال القاضي عياض: فيه جواز التورية، والتعريض في الحرب، فكأنه تأوّل الحديث على هذا.
وقال في "القاموس": خَدَعَة، كمَنَعَهُ خَدْعًا، ويُكسر: خَتَلَهُ، وأراد به المكروه من حيثُ لا يَعْلَم، كاختدعه، فانخدع، والاسم الْخَدِيعةُ، و"الْحَرْبُ خِدْعَةٌ" مثلّثةً، وكهُمَزَة، ورُوي بهنّ جميعًا؛ أي تنقضي بخُدعة. انتهى (١).
[تنبيه]: قوله: "الْحَرْبُ خَدْعَة" حديث مرفوع أخرجه الشيخان مرفوعًا من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، ومن حديث جابر -رضي الله عنه-، وأخرجاه هنا موقوفًا على عليّ -رضي الله عنه-.
وقوله: "خَدْعَة" -بفتح الخاء المعجمة، وبضمها، مع سكون المهملة فيهما، وبضم أوله، وفتح ثانية، قال النوويّ: اتفقوا على أن الأولى الأفصح، حتى قال ثعلب: بلغنا أنها لغة النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وبذلك جزم أبو ذرّ الهرويّ، والقزاز، والثانية ضُبِطت كذلك في رواية الأصيليّ، قال أبو بكر بن طلحة: أراد ثعلب أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كان يستعمل هذه البِنْيَة كثيرًا؛ لوجازة لفظها، ولكونها تعطي معنى البنيتين الأخيرتين، قال: ويعطي معناها أيضًا الأمر باستعمال الحيلة مهما أمكن، ولو مَرَّةً، فكأنه قال: استَعْمِل الحيلة في الحرب ما أمكنك، فإذا أعيتك الْحِيَل فقاتل، قال: فكانت مع اختصارها كثيرة المعنى.
ومعنى خَدْعَة بالإسكان أنها تَخْدَع أهلها من وصف الفاعل باسم المصدر، أوأنها وصف المفعول، كما يقال: هذا الدرهم ضرب الأمير؛ أي مضروبه.
وقال الخطابيّ: معناه أنها مرةً واحدةً: أي إذا خَدَع مرةً واحدةً لم تُقَلْ عثرته.